تعتبر مدينة حمد من المدن الحديثة في المملكة، إذ تم تشييدها قبل مدينة زايد بسنوات طويلة، ولكن هذه المدينة تمتلك خصوصية تختلف كثيرا عن باقي مدن وقرى المملكة القديمة والحديثة. والسبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى حجمها الجغرافي الواسع الذي ساعد الحكومة على توفير مساكن لآلاف المواطنين، ومازالت المدينة تستوعب المزيد من السكان.
يمكن تفصيل هذه الخصوصية بالإشارة إلى احتضان المدينة للمواطنين من الطائفتين السنية والشيعية بخلاف مناطق أخرى عدة ظلت لعقود مغلقة على إقامة أبناء طائفة دون أخرى، فقد كان مشروع مدينة حمد فرصة تاريخية مهمة للنظام السياسي البحريني لتذويب البنى الطائفية والقوى المناطقية التي ظهرت على مدى أكثر من قرن لأسباب متعددة لا مجال لتفصيلها. وبعد أن ظل معظم البحرينيين في مناطق عدة منعزلين عن بعضهم بعضا، جاءت الثروة النفطية من العام 1932 لتساهم في تشييد جملة من مشروعات البنية التحتية التي تضمنت إنشاء الطرق والجسور وشبكات المواصلات المختلفة لتعزز من إمكان تذويب البنى الطائفية والقوى المناطقية، ثم ساعدت هذه الثروة على إنشاء مدن جديدة مثل مدينة عيسى، أعقبتها مدينة حمد، فهل أدت تلك الحقائق والتوجهات إلى بلورة مفهوم المواطنة الذي يعامل المواطن على أساس الحقوق والواجبات، ويقلل من قوة الاتجاهات الطائفية والمناطقية، وهل ساعدت الإقامة المشتركة في تحقيق ذلك؟
الإجابة تبدو صعبة جدا على مثل هذا التساؤل على مستوى البحرين في ظل غياب الدراسات الميدانية. ولكن بالنظر إلى الظروف التاريخية والأوضاع الراهنة التي تشهدها مدينة حمد منذ فترة على سبيل المثال ستظهر بعض ملامح إجابات لهذا التساؤل.
فمنذ عقد التسعينات من القرن الماضي ظهرت حركة الاحتجاج السياسي الأخيرة التي رافقها بعض أشكال العنف، وصاحب ذلك توجه حكومي جديد عندما منحت المئات من الأسر البحرينية ذات الأصول العربية مساكن في مدينة حمد. كل تلك الظروف والأوضاع أدت إلى كسر محاولات بناء الثقة والتطبيع في العلاقات الطائفية السنية الشيعية، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل ظهرت ظاهرة جديدة تمثلت في رفض بعض القوى التقليدية الطائفية محاولات توطين المواطنين الجدد من ذوي الأصول العربية. وهنا ظهرت المشكلة، إذ أصبحت المدينة تعيش في انقسام طائفي لتقوم كل قوة تقليدية بالمطالبة بحقوقها لأولويتها في ذلك على حساب باقي القوى التقليدية الأخرى.
والآن ظهرت خصوصية مدينة حمد في انقسامها إلى ثلاث فئات: سنة وشيعة وبحرينيين جدد. وهناك شكل من أشكال الصراع الكامن الذي بدأ يظهر إلى العلن في أحايين كثيرة بعد تعرض الكثير من المنازل إلى السرقات، واتهام الأهالي لأبناء إحدى الفئات في المدينة بذلك، وحديثا انزعاج أبناء إحدى الطوائف من بعض ممارسات الطائفة الأخرى لتظهر مبادرة رفع عريضة شكوى شعبية إلى وزير الداخلية. وهذا الصراع إذا لم يكن ذا طبيعة تنظيمية في السابق، فإنه اختلف الآن ليصبح ذا طبيعة تنظيمية واضحة.
ما يدفع للحديث عن هذا الموضوع، هو أن أنموذج مدينة حمد يشير إلى تنامي الاتجاهات الطائفية والمناطقية مع بدء الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي تشهده البلاد. وهناك حاجة ملحة للاستفادة من فرص الإصلاح الجارية الآن لبناء هوية وطنية تقوم على أسس المواطنة، وتضمن للمواطن حقوقه وواجباته، لأن مؤشرات اليوم تدل على استغلال الإصلاح في تحقيق المآرب الطائفية والمناطقية لا أكثر، وهو ما يتعارض وأهدف الإصلاح السياسي
العدد 950 - الثلثاء 12 أبريل 2005م الموافق 03 ربيع الاول 1426هـ