بعيدا عن الدوافع والأسباب التي دفعت ثمانية من المنتمين إلى المؤسسة الدينية السنية إلى الإعلان عن معارضتهم لمشروع قانون الأحوال الشخصية بسبب "وجود من يخالف مذاهب أهل السنة الأربعة جميعا"، ولعدم "وجود من يمثل المذهب المالكي الذي هو مذهب المملكة وملكها في اللجنة" المكلفة بإعداد قانون الأحوال الشخصية المقرر رفعه إلى مجلس النواب قريبا. فإن هذا الحدث يكشف عن حقائق ظهرت متأخرة للغاية تتعلق بطبيعة دور المؤسسة الدينية السنية التي تزايدت الدعوات الكامنة في الآونة الأخيرة بضرورة تفعيل دورها للمساهمة في إحداث التوازن الاثنو طائفي في النظام السياسي البحريني بعد أن زادت حالة النفور وتراجع الاهتمام بالسياسة لدى الطائفة السنية لتنحصر فقط في بعض التنظيمات السياسية التي تضم قواعد معظمها سنية المذهب "مثل المنبر الوطني الإسلامي، والوسط العربي الإسلامي الديمقراطي". بإلقاء نظرة مقارنة على الدور الذي تقوم به المؤسسة الدينية السنية ونظيرتها الشيعية سنجد البون الشاسع في الدور والأهداف والغايات والوسائل، وستظهر طبيعة العلاقة بين المؤسسة الدينية والمجتمع، فعند المؤسسة الدينية الشيعية نجد أن العلاقة واضحة للغاية وهناك أدوار إيجابية تقوم بها قيادات المؤسسة لتوعية أبناء المذهب في المجال السياسي، في الوقت الذي ابتعدت فيه المؤسسة الدينية السنية كثيرا عن هذا المجال واقتصر دورها على الجانب الوعظي والإرشادي. قد يكون هذا الموضوع حساسا للغاية في المجتمع البحريني، إلا أنه لا ضير في طرحه ومناقشته بصراحة لمقتضيات المصلحة الوطنية العليا. فالمؤسسات الدينية واقع موجود ومن الاستحالة بمكان تجاهلها وإبعادها عن مطالب المجتمع واحتياجات القواعد الشعبية. بل يجب أن تحدد القيادات الدينية الدور المطلوب لها ليكون دورا شموليا، لا يقتصر على جانب دون آخر بهدف تحقيق التوازن الذي أنشأت من أجله هذه المؤسسات. وعودة مرة أخرى لموضوع تحركات العلماء الثمانية، فهذه الخطوة قد تعكس رغبة بعض النخب العلمائية السنية في أن يكون لها دور آخر غير وعظي وإرشادي، وهو أمر بات ملحا أكثر من أي وقت مضى. ويجب أن يقابل هذه الرغبة تأييد شعبي من القواعد المجتمعية ليتبلور مفهوم هذا الدور أكثر فأكثر، حتى تتلاقى الرغبات، وتبدأ المؤسسة الدينية السنية في تحقيق دورها المطلوب في ظل المستجدات الراهنة بعد عهد الإصلاح السياسي، وخصوصا أن التيارات السياسية الإسلامية النافذة في المؤسسة التشريعية عكست صورة سلبية تماما للمؤسسة الدينية السنية وشوهت صورتها في أحايين كثيرة لدى أذهان القواعد المجتمعية. ولذلك فقد حان أوان التغيير والتطوير في المؤسسة الدينية السنية لتساهم في إصلاح ما أفسدته بعض نخب النظام السياسي، وبعض التيارات الإسلامية الأخرى، فضلا عن عوامل التاريخ البحريني. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن آخر موقف سياسي واضح لأبرز نخب المؤسسة الدينية السنية وهو مشاركة الشيخ عبداللطيف آل محمود في حركات العرائض السياسية مطلع التسعينات الماضية، وتعرضه خلال العام 1991 لاعتقال بسبب تمسكه بمبدأ حرية الرأي والتعبير، وفصله تعسفيا لمدة قاربت العقد من الزمان. تلك الحادثة كانت آخر تحرك حقيقي لبلورة دور سياسي للمؤسسة الدينية السنية، وهو بحاجة إلى الاستيعاب، فتلك التضحية العظيمة لم تظهر نتائجها بعد، وقد يكون السبب في ذلك عدم قناعة الكثيرين بجدواها حتى الآن
العدد 947 - السبت 09 أبريل 2005م الموافق 29 صفر 1426هـ