العدد 943 - الثلثاء 05 أبريل 2005م الموافق 25 صفر 1426هـ

إطلاق تقرير التنمية البشرية العربية 2004

في حفل خاص أقيم في العاصمة الأردنية أمس

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

بعد عملية ولادة متعسرة أدت إلى تأخيره عدة أشهر، صدر رسميا في العاصمة الاردنية عمان "تقرير التنمية العربية 2004" الذي جرى اطلاقه في حفل خاص تحت عنوان "نحو الحرية في الوطن العربي". الذي أجمع مراقبون على أنه "يتسم بالجرأة والحيادية في انتقاده للأوضاع خصوصا تدني مستوى الحرية في جميع البلدان العربية". وطالب التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالمشاركة مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وبرنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية بالشروع في إجراء إصلاحات قانونية وسياسية، والحد من احتكار السلطة الذي يحظى به المتنفذون في معظم دول المنطقة. ورأى التقرير، الصادر بعد تأخير عدة أشهر نتيجة العديد من الخلافات، ومنها الخلاف مع واشنطن حول بعض مضمونه الذي ينتقد احتلال العراق وفلسطين، انه "حتى مع وضع القهر الخارجي جانبا، فإن الحريات مستهدفة من سلطتين، أولاهما الأنظمة غير الديمقراطية وثانيتهما سلطة التقليد والقبلية المستترة بالدين أحيانا"، مشيرا إلى أن "تضافر السلطتين على الحد من الحريات والحقوق الأساسية أدى إلى إضعاف مناعة المواطن الصالح وقدرته على النهوض". ولفت التقرير إلى أن الحريات، خصوصا حرية الرأي والتعبير والإبداع، "تعاني وجوها من الكبت والقمع في اغلب البلدان العربية"..." إذ ظل الصحافيون على مدى ثلاثة أعوام "1002- 3002" هدفا لملاحقات قضائية متعددة في قضايا الرأي، علاوة على صدور أحكام قضائية قاسية بحق بعضهم". وأشار التقرير إلى أنه "علاوة على انتهاكات بعض السلطات للحق في الحياة خارج إطار القانون والقضاء، وكذلك حجم الاعتقالات التي تنتهك الضمانات القانونية منذ بدء الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب وإهدار ضمانات المحاكمة العادلة في عدد من البلدان العربية، من خلال إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، فإن أقصى أشكال الإقصاء هو بإمكان سحب الجنسية من المواطن العربي الذي تبيحه بعض التشريعات العربية بمقتضى قرار إداري من مسئول حكومي". وأوضح التقرير انه باستثناءات قليلة وشكلية في بعضها، لا تجرى في البلدان العربية المعنية انتخابات رئاسية حرة يتنافس فيها أكثر من مرشح في انتخاب عام، مشيرا إلى انه من كثرة العمليات الانتخابية التي تجرى على الساحة العربية، فإن أغلبها طقوس إجرائية تمثل تطبيقا شكليا لاستحقاقات دستورية، عانى معظمها من تزييف إرادة الناخبين، وتدني تمثيل المعارضة، وبهذا لم تؤد دورها المفترض كوسيلة للمشاركة. وبينما عرج التقرير إلى الحقوق السياسية والاقتصادية في العالم العربي، من خلال دراسات أشارت إلى أن 32 مليون نسمة يعانون من نقص التغذية في 15 بلدا عربيا، انتقد أيضا معاناة النساء مما سماه "عدم المساواة والتمييز ضدهن في القانون والواقع" رغم محاولات التطوير. وجعل التقرير الحرية "عاملا فاصلا" كإشكالية في العلاقة بين الحرية في العالم العربي ومصالح القوى المهيمنة عالميا. إذ يرى أن اكتشاف النفط وإنشاء دولة "إسرائيل" كان لهما أبلغ الأثر في مواقف الدول الكبرى تجاه الحرية في الوطن العربي، بعدما أصبح تدفق النفط بأسعار مناسبة والموقف من "إسرائيل" عاملين يحددان لدرجة كبيرة رضا تلك القوى العالمية عن هذه الدولة أو تلك، بصرف النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما أدى إلى استفحال القمع والقضاء على فرص التحول الديمقراطي في الدول العربية. وغمز التقرير من قناة الدساتير العربية من زاوية "إطلاق الحريات وإنشاء الأحزاب السياسية" موجها انتقادات إلى غالبية الدول العربية، وكذلك في ما يخص استقلال القضاء، إضافة إلى استئثار السلطة التنفيذية بالسيطرة على كل شيء، وبما يمنح رأس الدولة صلاحيات واسعة، وأحيانا مطلقة. وحذر من أن "استمرار الأوضاع الراهنة، من عجز تنموي يلازمه قهر في الداخل واستباحة من الخارج، يمكن أن يفضي إلى تعميق الصراع المجتمعي في البلدان العربية، وربما قد يؤدي في النهاية إلى تداول السلطة عن طريق العنف المسلح"، وطرح البديل، وهو "التداول السلمي للسلطة من خلال عملية تاريخية تتبناها كل الشرائح المناصرة للإصلاح في العالم العربي". وأشار تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الجديد إلى أن القوى السياسية والمدنية في الوطن العربي صعدت تحركها الايجابي نحو الإصلاح السياسي، وحققت تقدما مهما في بعض الأحيان، مؤكدا أن المرحلة شهدت محاولات للتغيير من الخارج بدأت بمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته الإدارة الأميركية، مبرزا أهم المعيقات الإقليمية والدولية التي واجهت مبادرات الإصلاح. وركز على ثلاثة معيقات، هي: استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ثم احتلال الولايات المتحدة للعراق، وأخيرا تصاعد وتائر الإرهاب، بما يشمله الأول من تدمير لحياة الفلسطينيين، والثاني من خروج الشعب العراقي من واقع حكم مستبد ليواجه سلطة احتلال أجنبي أسوأ زادت من معاناته الإنسانية، إلى الإرهاب بما خلفه من زرع للخوف في المجتمعات المدنية العربية. واستعرض التقرير الجديد بعض الايجابيات في مجال الحرية في الوطن العربي، مشيرا الى توجه بعض الحكومات وبشكل حذر نحو الانفتاح السياسي على قوى المعارضة، وافساح مجال العمل العام، وذلك مع عدم نفي استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في عدد من الدول العربية، ومعاناة منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام من القيود في عدد آخر، مشيرا إلى مسألة تمكين المرأة حيث يرى أن المغرب حقق الإنجاز الأكبر بإصدار المدونة الجديدة للأسرة التي لبت الكثير من مطالب الحركة النسائية في ضمان حقوق النساء.


موقف الأردن

واقر نائب رئيس الوزراء وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء ومراقبة الأداء الحكومي مروان المعشر أن التقرير "وهو الثالث من ضمن سلسلة تقارير التنمية الإنسانية" قد "أثار الجدل والنقاش قبل صدوره نتيجة اختلاف وجهات النظر حول نتائجه وتوصياته". غير أنه لاحظ "وجود إجماع على ما حققه مثل التقارير السابقة التي ساهمت في تفكيك الصورة الحالية لواقع التنمية الإنسانية العربية وتحليلها وإعادتها إلى جذورها الأولى "..." إضافة إلى تقديم رؤية مجتهدة لكيفية دفعها قدما وتجاوز أسباب تردي الأوضاع". ووصف التقرير خلال حفل إشهاره في عمان أمس بــ "الجريء والحيادي" على رغم الجدل الواسع الذي أثاره قبل صدوره "ما أدى إلى أحياء حوار بناء ونقاش طال انتظارهما". وبين المعشر أن التقرير جاء بهدف "عرض مقومات الحرية بمفهومها الواسع والحكم الصالح كأحد ركائز الإصلاح النابع من الداخل بالإضافة إلى البنية المؤسسية للحرية". وأشار إلى أن الأردن، بوصفه جزءا من العالم العربي يطمح لبناء منطقة تتمتع بالسلام والطمأنينة والديمقراطية للوصول إلى مجتمعات مستقرة وآمنة توفر العيش الكريم لمواطنيها وتضمن نموا اقتصاديا وتقدما اجتماعيا وسياسيا مبنيا على مبادئ العدل والمساواة والكرامة الإنسانية. واعتبر أن اختيار الأردن مكانا لإطلاق التقرير المتميز "تعبير عن التزامه الصادق بتحقيق التنمية الإنسانية الشاملة، وذلك من خلال الاعتراف بالتحديات، وتأكيدا على مبادرات الإصلاح وبرامجه التي تم البدء بتنفيذها سابقا بالسير ببرامج الإصلاح جذرية، على كل الصعد الاقتصادية والاجتماعية والتنمية السياسية، إضافة إلى نهج إصلاحي مستمر للإدارة الحكومية، ويعمل على تغيير شامل للثقافة المجتمعية لوظيفة القطاع العام والمؤسسات الحكومية سواء للعاملين فيها أو المتعاملين معها وبني ذلك على مبادئ التركيز على النتائج والمسائلة واللامركزية والكفاءة والمساواة والاستخدام الامثل للموارد البشرية والمالية". وبين أن صدور تقارير التنمية الإنسانية العربية الثلاثة أدى إلى مراكمة في البناء المعرفي من خلال عرضها لمفهوم التنمية الإنسانية في العالم العربي ومعيقاتها في مجالات اكتساب المعرفة والحرية السياسية، وحقوق المرأة الذي تعزز بصدور التقرير الثاني الذي اظهر تحديات اكتساب المعرفة وإنتاجها ونشرها في العالم العربي واضعا لرؤية إستراتيجية لتجاوزها ليصبح التعلم والبحث أساسا للإبداع المعرفي. ما ساهم بشكل فاعل، وفقا للمعشر، في العمل على تعزيز مواطن الضعف للوصول إلى عالم عربي حر وقوي. وأوضح أن التحديات المستقبلية للعالم العربي تتعاظم مع التغيرات الدولية المختلفة نتيجة السرعة في وصول المعلومة والخبر عبر وسائل الاتصال المختلفة والاعتماد العالم لمقاييس عالمية جديدة للحكم الصالح، لذا لا بد من دفع جهود الإصلاح في العالم العربي وتطوير أنماط التفكير والثقافة المجتمعية حول مفاهيم الحريات والحكم الصالح وأهميتها كمتطلب أساسي للتنمية الإنسانية العربية. ونوه إلى أن الإصلاح في العالم العربي لم يعد خيار أو رفاهية وإنما أصبح ضرورة ملحة لتغيير ينبع من الداخل ويرفع سقف الحريات للجميع وهذه حقيقة تعززها نتائج التقرير عن حال الحريات في العالم العربي.


البرنامج الإنمائي

واعتبرت الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي الدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ريما خلف أن التقرير وجد حالة الحريات في العالم العربي تشكو من نقص بدرجات مختلفة، ولكن ترتفع مستوى الحريات الشخصية والاقتصادية مقارنة بالحريات السياسية، كما تعاني حرية الرأي من كبت وقمع. وعرضت بعض الانتهاكات التي يعاني منها العالم العربي، ومنها:"منع تشكيل الأحزاب في سبع دول عربية، كما تنتهك حريتها في البلدان التي تسمح بها من خلال منع تأسيسها أو حلها، وتنتهك حق المواطن في الحياة من قبل السلطات أحيانا ومن قبل جماعات متطرفة، وتهدر ضمانات المحاكمة العادلة بإحالة المدنيين إلى القضاء العسكري أو المحاكم الاستثنائية كما تستخدم المخاطر الخارجية وذريعة مكافحة الإرهاب وسيلة لإعلان حالة الطوارئ التي أصبحت حالة مستدامة في بعض الدول العربية بما يعصف بكل الضمانات المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم ويجعل السلطة التنفيذية في حل من قيود الدساتير والقوانين على نواقصها". وعلى رغم الصورة القاتمة التي رسمتها، إلا أنها لاحظت أن الساحة العربية "بدأت تشهد بعض الانفراج بعد تصاعد وتائر المناداة بالإصلاح من القوى السياسية والمدنية في أكثر من بلد عربي، بدأت الأردن في إعداد أجندة وطنية تستهدف الإصلاح الإداري والسياسي".


الأمير تركي بن طلال

ممثل برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز أمل أن يتمكن التقرير بما اشتمل عليه من مضامين تحليلية ونقدية "من شأنه أن يوسع الفضاءات العربية بمناقشات جدلية وحوارات موضوعية مطلوبة يمكن لها أن تفيد أكثر إذا تحسبت لما يمكن استشفافه "..." وهو الرغبة في تأصيل البحث بالعودة إلى الجذور وتأكيد تراكمية الفكر التنموي وعدم القطع مع الماضي". ودعا "كل الحريصين على الإصلاح الحقيقي النابع من الذات إلى دعم هذا التوجه وتعزيز استقلاليته ليكون بمنأى عن أي تأثير سواء من قوى دولية أو حكومات المنطقةس. وهو لاحظ أنه منذ صدور التقرير الأول عام ،2000 ظهور بوادر مشجعة لحل إشكالية الحلقة المفقودة في القرار العربي، "إذ حرك التقريران الأولان ركود الواقع العربي وأسهما في إيجاد بواعث تبشر بتغيير النمطية في أسلوب صناعة القرار وركونه إلى المنهج التقليدي العتيق". ولفت إلى أنه على رغم استقبال المجتمعات العربية التقريرين بردود متباينة، إلا أن "الإيجابية" غلبت على هذه الردود "على الرغم من الأثر الصادم للشفافية التي طبعتهما والتي لم تعجب الحكام".


فريق القراء

عضو فريق القراء للتقرير ورئيس الوزراء اليمني السابق عبد الكريم الأرياني، الذي عرض للصعوبات التي واجهت إطلاق التقرير، حذر من "الاكتفاء بالتحدث والصراخ والمطالبة بالتحرر من النفوذ الخارجي قبل أن نحرر أنفسنا من قوالبنا الفكرية التي بنيناها داخلنا نتيجة إحباطاتنا التي خيمت على نفوسنا بفعل التدخلات الخارجية في شئوننا التي حولناها إلى "غلالة" تحجب عنا رؤية واقعنا زومشجباس نعلق عليه كل عللنا". وقدم وصفا "أدبيا رائقا" لتعامل العرب مع رياح التغيير التي تهب على العالم، إذ قال: "من ضمن العقد والتعقيدات التي تعوق وصولنا إلى الحكم الرشيد أن الرماد الذي تذروه رياح التغيير في العالم على عيوننا جعلنا نلعن الرياح ونترك الرماد على حاله". متسائلا :"هل سننتظر حتى ينزل علينا وحي التغيير من السماء العليا حتى نقبل به؟!".


أحمد أبو المجد

عضو الفريق الاستشاري للفريق المعد للتقرير أحمد أبو المجد، عرض للمنهجية التي استند إليها أعضاء الفريق عند إعدادهم التقرير، "بعيدا عن الحساسيات التي يولدها إسراف بعض غير العرب من الساسة والحكام في الإلحاح على ضرورة اتخاذ الإصلاح في العالم العربي منهجا يحددنه هم ولا يرضون عنه إلا بقدر استجابته لرؤياهم ومعاييرهم فيما يعد صالحا وما لا يعد كذلك". وتم إعداد تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الجديد بوساطة مجموعة من المفكرين وواضعي السياسات والممارسين العرب، وهو الثالث في سلسلة البرنامج حول "التنمية الإنسانية في العالم العربي". وتناول التقريران السابقان للعامين الماضيين ما يعاني منه العالم العربي من نواقص تتمثل في ميادين المعرفة والحقوق السياسية وحقوق المرأة وأثارا العديد من ردود الفعل المؤيدة والناقدة داخل الوطن العربي وخارجه. ويستهل التقرير الجديد الصادر أمس في جنيف مقدمته بالقول انه قد طرحت منذ العام الماضي في الوطن العربي مبادرات إصلاح رسمية ومن منظمات المجتمع المدني استهدفت معالجة بعض أوجه القصور في البلدان العربية. وكان أهم المبادرات الرسمية "بيان مسيرة التطوير والتحديث" الذي صدر عن القمة العربية في أيار 2004 الذي دعا إلى استمرار الجهود وتكثيفها لمواصلة مسيرة التطوير العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، تحقيقا لتقدم المجتمعات العربية، النابع من ارادتها الحرة. كما ظهرت مبادرات للقطاع الأهلي كان أهمها "إعلان صنعاء" الذي تمخض عن المؤتمر الإقليمي حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ثم "وثيقة الإسكندرية" التي صدرت عن مؤتمر قضايا الإصلاح العربي

العدد 943 - الثلثاء 05 أبريل 2005م الموافق 25 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً