العدد 940 - السبت 02 أبريل 2005م الموافق 22 صفر 1426هـ

في الذكرى الثانية لغزو العراق... ائتلاف الحرب بدأ يتفكك

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

جاء قرار رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني بسحب الجنود الإيطاليين من العراق بمثابة مفاجأة حتى لأقرب الوزراء إليه. لزمن طويل كان بيرلسكوني من أبرز مؤيدي حرب بوش في العراق لكن ضغط الشارع الإيطالي ظل قويا وزاد بصورة كبيرة عقب مقتل العميل الإيطالي الذي سعى إلى الإفراج عن صحافية إيطالية وقعت في أسر جماعة عراقية. وينكر بيرلسكوني حتى اليوم وجود علاقة بين قرار سحب الجنود الطليان من العراق ومقتل العميل الإيطالي على أيدي جنود أميركيين. في الغضون يسجل المحللون باهتمام كيف ينهار ائتلاف الحرب. في غضون الأيام المقبلة ستنهي أوكرانيا عملية سحب جنودها من العراق في الوقت الذي سارت فيه تظاهرات خلال عطلة نهاية الأسبوع بمدينة لندن رفعت فيها يافطات تطالب بانسحاب بريطانيا وهكذا بدأ الضغط يزيد على رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير. هناك ثلاثة آلاف جندي إيطالي في العراق يشكلون رابع أكبر قوة عسكرية بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وكوريا الجنوبية. وفقد الطليان 28 من جنودهم في العراق خلال صدامات مسلحة. وتشير معلومات إلى أن هولندا ستنهي سحب قواتها من العراق خلال الشهر الجاري وستتبعها بولندا في يوليو/ تموز المقبل. في الولايات المتحدة أيضا تدور مناقشات حول هدف ومدة الوجود العسكري الأميركي في العراق ويشير عدد متزايد من السياسيين الأميركيين في مجلس الشيوخ والبرلمان إلى ازدياد عدد الرسائل التي تردهم من مواطنين أميركيين يطالبون بانسحاب القوات الأميركية من العراق. في الغضون تغيرت الموازين وزادت الانتقادات التي يوجهها أميركان إلى رئيسهم جورج دبليو بوش فيما يتعلق بسياسته في العراق ويطالب هؤلاء بوش أن يعلن عن استراتيجية لسحب الجنود. إضافة إلى الضغط في الداخل يزداد الضغط في الخارج خصوصا من قبل الأطراف التي ساندت الولايات المتحدة وشاركت في ائتلاف الحرب. أحد عشر دولة منها سحبت جنودها من العراق بينما تعمل خمس منها بالتحضير لسحب جنودها في القريب العاجل. ويشير المحللون إلى أنه لا يمكن الأخذ بعين الاعتبار العدد المتواضع للجنود الذين ينتمون لدول غير الولايات المتحدة التي لها 150 ألف جندي وبريطانيا التي تساهم بتسعة آلاف جندي. وتضع عمليات الفرار التي تمارسها دول ائتلاف الحرب الحكومة العراقية القادمة والإدارة الأميركية أمام مشكلة ليس من السهل حلها. ذلك أن الشيعة والأكراد الذين فازوا بالانتخابات في ظل غياب مشاركة السنة والتي تمت في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، يطالبون واشنطن بإنهاء الاحتلال. لكن العراقيين يعرفون في الوقت نفسه أن الشرط الأول لانسحاب جميع الجنود الأجانب، هو تحمل العراقيين أنفسهم مسئولية الأمن والاستقرار. باعتراف إبراهيم الجعفري رئيس حزب "الدعوة" ورئيس وزراء الحكومة القادمة، فإن قوى وأجهزة الأمن العراقية ما زالت عاجزة عن ضمان أمن العراقيين. وقال الجعفري في مقابلة أجرتها معه مجلة "دير شبيغل" الألمانية إنه متمسك ببقاء الجنود الأميركيين حتى يستطيع العراقيون التغلب على الإرهاب داخل بلدهم والذي يشكل أكبر تحد لمستقبلهم. وتقول الحكومتان الأميركية والبريطانية إن انسحابا فوريا للقوات الأجنبية سيؤدي إلى غرق العراق في بحر من الفوضى نظرا لضعف أجهزة الأمن العراقية في مقابل طغيان قوة المقاومة التي تصدر عن المقاومة المتعددة الأطراف. غير أن الاستراتيجية التي يتبعها البيت الأبيض في العراق حتى الآن لم تعد تلقى تأييدا واسعا عند الشعب الأميركي. إذ تصر هذه الاستراتيجية على بقاء الجنود الأميركيين في بلاد الرافدين حتى يتمكن هذا البلد الذي مضى عامان على احتلاله من الوقوف على قدميه. غير أن غزو العراق أصبح عبارة عن مهمة مستحيلة "حىى ةىقم". وقد فقد أكثر من 1500 جندي أميركي أرواحهم منذ أن أعلن بوش في مايو/ آذار 2003 نهاية العمليات العسكرية الرئيسية. وكل يوم يزيد عدد الصناديق الخشبية التي تعود عبر المطار العسكري رامشتاين بألمانيا إلى الولايات المتحدة. بينما يهتم الغرب قليلا بحصر عدد المدنيين العراقيين الذين يغدر بهم العنف. وكي تخفف الولايات المتحدة خسائرها البشرية قررت العمل بخطة وضعها جنرال سابق يدعى جاري لوك تقضي بانسحاب الجنود الأميركيين من مناطق القتال الساخنة مثل ما يعرف باسم المثلث السني قرب بغداد. ورحب الجعفري باقتراح صدر عن الرئيس المصري حسني مبارك يدعو إلى انسحاب الجنود الأميركيين من المدن العراقية الكبيرة على أن يحل مكانهم جنود جيش العراق الجديد منعا لنشوء ثغرات أمنية يستغلها خصوم رموز الحكم المؤقت في العراق. لذلك تعمل دول مثل ألمانيا التي عارضت حرب العراق في برنامج تدريب عناصر من جيش وشرطة العراق في قاعدة قرب أبوظبي كي تصبح قوات الأمن العراقية قادرة في المستقبل على مكافحة خصوم النظام بمعزل عن مساعدات خارجية. لكن غالبية المحللين يتفقون بالرأي على أن هذا مجرد وهم ويسجلون كيف تقوم المقاومة بنشر مشاعر الإحباط في نفوس الشباب العراقي الراغب في الانضمام للشرطة والجيش لهدف الحصول على وظيفة عمل وتأمين القوت لعائلاتهم، من خلال عمليات التفجير التي تستهدفهم خلال الانتظار في طوابير أمام مراكز التسجيل. ولا أحد يشعر بتهديد المقاومة في العراق بعد جنود الاحتلال أكثر من أعضاء قوى الأمن وكثير منهم يفرون من الثكنات على ضوء الأخطار التي تحدق بهم. وقال جون هوسي الضابط في الجيش الأميركي إنه غير متفائل وأبلغ مجلة "دير شبيغل" قوله: سوف نحتاج من 10 إلى 15 سنة للبقاء في العراق، هذا إذا نفذنا استراتيجية سليمة. في هذه الغضون لا تريد دول ائتلاف الحرب الانتظار أطول وقد تراجع عددها من خمسين دولة في العام 2003 إلى عشرين دولة مع مرور الذكرى الثانية لاندلاع الحرب. وقال هينر فورتيج من معهد "الشرق" بمدينة هامبورغ أن عدد جنود دول الائتلاف باستثناء الولايات المتحدة وبريطانيا لم تكن كبيرة منذ البداية فدولة مثل أوكرانيا شاركت بنحو 1650 جنديا وهولندا بنحو 1400 جندي، غير أن الأثر النفسي لانسحاب دول الائتلاف له نتائج أكبر. أما الخبير بالسياسة العسكرية الأميركية في جامعة هامبورغ هانز يواخيم جيسمان فيرى أن ائتلاف الحرب بدأ يتفكك وسيصبح في المستقبل من الصعب جدا تشكيل ائتلاف عريض يؤيد الحروب الوقائية التي بدأتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق. وكانت مجموعة كبيرة من دول ائتلاف الحرب خصوصا من أوروبا الشرقية تأمل أن تعود عليها مساهمتها في العراق بالنفع عن طريق الحصول على مشروعات إعادة التعمير والحصول على مساعدات مالية وعسكرية من الولايات المتحدة. وتبين لحكومات هذه البلدان أنه من العبث مواصلة دعم واشنطن في مغامرة العراق وأن هذا الدعم لا يعوض الخسائر السياسية الداخلية التي تتعرض لها هذه الحكومات. ويضيف جيسمان: تبين لحكومات دول ائتلاف الحرب أيضا أنه كلما طال أمد الحرب كلما أصبحت حياة جنودها في خطر كما بات من الصعب جدا تبرير جدوى حرب العراق لشعوبها. ويلاحظ المراقبون كيف بدأت مناقشات في بلغاريا تدعو إلى الانسحاب من العراق بعد مقتل جندي بلغاري على أيدي جنود أميركيين في ظروف لم يوضحها الأميركان بعد. ويشير جيسمان إلى أن شعار: أعيدوا لنا أبناءنا، ينتشر بسرعة في الولايات المتحدة وكذلك المطالبة باستراتيجية الخروج من العراق والتي كانت حتى وقت قريب مسألة محرمة. وقال هذا الخبير الألماني إن انسحاب دول أخرى من العراق يزيد الضغط على الإدارة الأميركية للقيام بخطوة مماثلة في الوقت نفسه أكد جيسمان أنه يستبعد انسحاب القوات الأميركية من العراق في عهد بوش الذي له أهداف سياسية واستراتيجية من خلال احتلال العراق. ويتسابق أقطاب من وصفهم وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد بأوروبا الجديدة للفرار من العراق أو خفض عدد جنودهم مثلما ستفعل بلغاريا التي ستخفض عدد جنودها إلى مئة رجل في نهاية يونيو/ حزيران المقبل إسوة بما فعلته لاتفيا الجمهورية السوفياتية السابقة في نوفمبر الماضي بعد أن سحبت هنغاريا جنودها وخفضت بولندا عدد جنودها في يناير/ كانون الثاني من 2400 إلى 1700 جندي حين استغل الرئيس البولندي ألكسندر كفازنيفسكي الانتخابات العراقية ليقول إن مرحلة جديدة بدأت في العراق. في المجر فشل رئيس الوزراء فيرينك غيورشزاني بالحصول على ثلثي عدد الأصوات في البرلمان لتمديد مهمة الجنود المجريين في العراق بعد أن رفض المحافظون في المعارضة دعم قرار التمديد الذي اتخذته الحكومة بداعي أن غالبية المجريين يعارضون وجود جنود مجريين في العراق. في بولندا عارض ثلثا الشعب إرسال جنود بولنديين إلى العراق. من جانبه لم يفعل بوش الكثير للحفاظ على صلابة ائتلاف الحرب ولم يقدم أية تعويضات لدول أوروبا الشرقية أكثر من قيامه بزيارة براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا في الشهر الماضي إذ قدم لحكومتها الشكر على مساهمتها في العراق. لكن العقود لم تتدفق على دول ائتلاف الحرب. فقد حصلت بولندا فقط على عقد قيمته 241 مليون يورو لتزويد جيوش الاحتلال ببضائع. بينما فقدت دول الائتلاف عددا من جنودها على أرض العراق فإن مواطنيها يشعرون أن الولايات المتحدة تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية. إذ على رغم من ولاء حكومات دول ائتلاف الحرب لإدارة بوش فإن مواطنيها يجدون صعوبة كبيرة في الحصول على تأشيرات دخول لأراضي الولايات المتحدة

العدد 940 - السبت 02 أبريل 2005م الموافق 22 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً