تمر البحرين بفترة توتر "محكوم"، أو "مضمون العواقب"، منذ صدر الدستور في ،2002 ولم يلق إجماعا وطنيا، كما حصل مع ميثاق العمل الوطني. وباستثناء الشهور الفاصلة بين فبراير/ شباط 2001 وفبراير ،2002 التي نعمت فيه البلد بتوافق سياسي استثنائي، فإن الشهور التي تلتها لم تكن كذلك، وحدث فيها ما أرق البلد وأهله. سأذكر بعضها هنا، بشيء من التفصيل، لأخرج بخلاصة: حوادث الشغب في شارع المعارض ليلة رأس السنة الميلادية "يناير/ كانون الثاني 2003" وصدور عفو ملكي عن المتهمين فيها "مارس/ آذار 2003"، اشكالية انعقاد مؤتمر الوفاق الأول "يناير 2003"، اعتقال خلية بحرينية بتهمة التخطيط لاعمال ارهابية "فبراير 2003"، مصادمات أمام السفارة البريطانية "مارس 2003"، مظاهرات مستمرة تطالب بمحاكمة المتهمين بانتهاكات حقوق الانسان وتسليم ضحايا التعذيب عريضة لدائرة التظلمات في الديوان الملكي "مايو/ أيار2003"، ندوة التجنيس السياسي "يوليو/ تموز 2003"، ندوة التمييز والامتيازات "أكتوبر/ تشرين الأول 2003"، حوادث الشغب المصاحبة لحفل نانسي عجرم "أكتوبر 2003"، الازمة التي سببها مقترح جاسم السعيدي بشأن الشعائر الدينية "نوفمبر/ تشرين الثاني 2003"، أزمة مسرحية أبوالعيش، ووقف الملك للدعوة القضائية ضد جمعية الوفاق "نوفمبر 2003"، مسيرة يوم الشهداء "ديسمبر/ كانون الأول 2003". وفي العام ،2004 تكررت حوادث مشابهة، ربما من المناسب أن يذكر بعض منها: اشكالية الضيوف الأجانب في المؤتمر الدستوري "فبراير 2004"، تأجيل الندوة الدستورية إلى ما بعد الفورمولا "مارس 2004"، مصادمات في المنامة بسبب اكتشاف محلات للخمور "مارس 2004"، إطلاق عريضة الجمعيات الأربع والنيابة العامة توقف عددا من جامعي التواقيع وإطلاق سراحهم بأمر ملكي "مايو 2004"، الشرطة تطلق مسيلات الدموع ضد مسيرة "لبيك ياحسين" التضامنية مع العراق وتغيير وزير الداخلية "مايو 2005"، ندوة الفقر وما تلاها من محاكمة عبدالهادي الخواجة وتجميد نشاط نادي العروبة وإغلاق مركز حقوق الانسان "سبتمبر/ أيلول 2004"، احتجاج الحكومة على انشاء المجلس العلمائي "أكتوبر 2004"، الافراج عن الخواجة وموقوفي السيارات بأمر ملكي "نوفمبر 2004". ويمكن ملاحظة أنه في كل القضايا سالفة الذكر وغيرها، انتهت إلى تهدئة، إما لتدخل السلطات "خصوصا الملك" أو الجهات الشعبية "نموذج تأجيل الندوة الدستورية، وتحويل العريضة الشعبية إلى عريضة جمعيات، والتخلي عن دعم مسيرات التضامن مع الخواجة"، أو لأسباب أخرى تتعلق بالتفاهمات غير المعلنة... ما يعني أن التوترات ظلت ضمن حدود "المتوافق" عليه، إذ تفادت الأطراف التصعيد المتبادل، ممتنعة، إلى حد كبير، عن استخدام "الأسلحة المحرمة"، أو غير المتفق على استخدامها في الميدان، كي لا تعود الساحة إلى ما يعرف بـ "المربع الأول"، الذي تصبح فيه قوات الأمن صاحبة القول الفصل، كما كانت أيام قانون أمن الدولة. وربما تدرك أهمية ذلك بعض الجهات المعتدلة في المعارضة، التي تردد أن اللعب في الساحة السياسية مقارنة بالساحة الأمنية يمنحها قدرة أكبر في التأثير على مجريات الأمور، فيما تبدو السلطات أكثر تمرسا وقوة أمنيا... وربما من هنا يعتقد البعض بأن توتير الأجواء قد يكون هدفا لبعض أطراف السلطة، يمحنها تبريرا لتمرير قوانين حادة للحريات، وكذلك استمرار سياسات التمييز... لكن توتير الأجواء قد يكون أيضا هدفا لبعض الأطراف المتشددة في المعارضة، التي تود أن تبث أن لا إصلاح في البلد. من كل ما سبق، وفي صورة أولية، يمكن الاستباق بالقول بأن التطورات التي قد تحدث على خلفية تنظيم "الوفاق" مسيرة حاشدة، كانت السلطات رفضت التصريح بها، ستكون على الأرجح ضمن الحدود التي يمكن احتواؤها. ويمكن قراءة ذلك من خلال تريث السلطات في اتخاذ إجراءات ضد "الوفاق"، حتى لو اعتبرنا أن جانبا من ذلك يعود إلى وجود فعاليات الفورمولا، التي لا تود السلطات تخريبها. بيد أن ذلك قد لا يجيب تماما عن أسباب التريث، والتي تعود في أجزائها الأخرى، على ما أظن، إلى حرص السلطات أيضا على تفادي التصعيد غير المحسوب، بالنظر إلى حجم "الوفاق" وثقلها على الساحة، وهو ما سيكون محل اختبار مع انتهاء فعاليات الفورمولا، على أي حال. لقد أحرجت السلطات نفسها حين مانعت علنا ظهور المسيرة، في ظل تمسك الوفاق بها، وهي تشعر الآن بالحاجة إلى أن تعيد التأكيد على أن قراراتها يجب أن تكون نافذة، كأية سلطة أخرى، لكنها تدرك أن تأخرها في اتخاذ قرار بعقاب ما، يمنع اتخاذ إجراءات ذات طبيعة متشددة. ولعلها "السلطة" تميل إلى السكوت راهنا، بعد أن وجهت إنذارات لا تخلو من قسوة من جانب عسكريين، وستظل تحتفظ بالملف إلى يوم آخر، تكون فيه الأجواء أكثر تهيؤا لتوجيه "لطمة" للوفاق، لطمة تهينها، كما وجهت الوفاق لطمة لا تخلو مما تعتبره السلطات "مسا بالكرامة". إن "التوتر المحكوم" لا يجب أن يبعث على السرور أبدا، كون التوترات المتلاحقة تزيد مع الوقت من حجم الفجوة بين الأطراف، ليصبح كل منها حساسا من الآخر على نحو ما جرى في المسيرة. وكما هي علاقة أي طرفين، زوجين أو صديقين أو معارضة وحكومة، تكرار حدوث المواجهات، خصوصا العلنية، يزعزع الثقة، ويعتبر كل طرف تصرفات الآخر على أنها "عدائية". لعل من المناسب، أن تنتقل الحوارات الجارية التي تستهدف احتواء التوتر الراهن، إلى مناقشة الملف الرئيسي الذي يؤرق المختلفين: المسألة الدستورية، وهناك مقترحات عدة، يمكن أن تكون بداية لحوار يتفادى الشروط المسبقة، ويبتعد عن لغة امتلاك الحقيقة المطلقة، ويدرك أن خيار كسر العظم دونه كسر لحلقة التوتر المضمون العواقب، ليكون غير مضمون
العدد 940 - السبت 02 أبريل 2005م الموافق 22 صفر 1426هـ