ربما كانت قرغيزيا الحلقة الاضعف في مسلسل انفراط البلدان التي كانت دائرة في فلك الاتحاد السوفياتي السابق، قد تأخرت بعض الوقت في اللحاق بالبلدان التي قبلت المعادلة بين ليلة وضحاها، والتي تقع في اطار الخريطة التي تضم قرغيزيا ايضا، وهو شمال آسيا، فقرغيزيا حققت ثورتها المختلفة التي سميت بالثورة "الوردية" وأوكرانيا هي الأخرى حققت ثورتها التي سميت بالثورة التي اختارت لون "البرتقال"، والآن تحركت قرغيزيا، ومع تحركها بدأت ثورتها التي عمت الجنوب ولم تنته، واختارت اللون الأصفر، والسر في ذلك كما تقول أوساط المعارضة القرغيزية يكمن في أن هذا اللون هو "لون التحذير". أكثرية سكان الشمال هم من القرغيزيين، ومن هذه المنطقة ينحدر الرئيس القرغيزي الحالي اسكار اكييف، وهذا القسم من البلاد يتمتع بازدهار اقتصادي نسبي قياسا إلى المناطق الأخرى. أما الجنوب فيضم اقلية اوزبكية، ويعاني من الاهمال والفقر والفاقة، لذلك يتهم أهل الجنوب رئيسهم بانه منحاز إلى الشمال، وباع مصادر البلاد الطبيعية بارخص الأثمان إلى الدول الكبرى كروسيا والولايات المتحدة، وقدم لهذين البلدين أراضي البلاد لبناء قواعد عسكرية لهما. ولكن ابرز اتهام يوجهه الثائرون إلى رئيسهم الحالي، هو انه لا يريد ترك السلطة إلا على اشلاء الناس، وهو يفكر في حال عدم تجديد رئاسته بتغيير دستور البلاد وتنصيب ابنه حيدر بدلا عنه كرئيس للدولة. اسكار اكييف كان ولايزال بحسب المعارضين اخلص اصدقاء الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة، واعتبر طوال سنوات حكمه أكثر القادة في شمال آسيا ووسطها ليبرالية، ولكنه كان ولايزال كما يقول المعارضون أكثرهم قساوة على الخصوم السياسيين، إذ يؤكد ذلك موقفه تجاه نائبه ومنافسه فيليكس كولوف الذي مازال يرزح في السجن منذ 4 أعوام بعد ان اتهمه باستخدام موقعه في السلطة لمصالحه الخاصة. لقد بدأت المعارضة القرغيزية تتحرك منذ نهاية العام الماضي، إذ اعتبرت نتائج الانتخابات الأخيرة باطلة لانها بحسب تقديرهم قد تمت في طل عمليات تزويرية من قبل الرئيس الحالي. الآن انطلقت حركة شعبية في معظم مدن الجنوب، ففي مدينة بولكون وجلال اباد واوش وغيرها احتل المواطنون مؤسسات الحكومة والمطار وعطلوا حركة الطيران بين الشمال والجنوب. وقد استقال وزير الداخلية باكيرين سوبانبكوف، وحل مكانه وزير جديد هو كينيشبك ووشيابيف الذي حذر المعارضة من الاستمرار في الاحتجاجات، بانه سيستخدم القوة ضدها، إذا ما اخلت بالقوانين المرعية. ولكن المعارضة التي تبدو غير موحدة إلى الآن، ربما تفتقد القائد الذي يستطيع اثبات وجوده في هذا الوسط المتدامي والمشحون بالغضب، وبدأ ان جزءا من المعارضة يريد مواصلة حركة التظاهرات ونقلها إلى العاصمة "بيشكيك" والمناطق الاخرى، وهناك جزء آخر يريد التفاوض بعد أن أعلن مستشار الرئيس القرغيزي عبد السكيز باييف استعداد الحكومة للجلوس إلى الشخص الذي تختاره المعارضة للتفاوض. المراقبون يعتقدون أن الاجواء ملغومة، ولذلك لم تتوافر الشروط المطلوبة لتحقيق النصر في هذه المعركة مثل التعبئة السريعة والعامة للمعارضة على غرار التجارب القريبة الأخرى، فضلا عن التغطية الدولية، فان الانتفاضة هذه ربما يخمد أوارها تدريجيا، وقد تتحول إلى حرب أهلية طاحنة. المتظاهرون احتلوا إلى حد الآن 3 مدن وهم مازالوا يزحفون باتجاه وسط البلاد، ولكن حركتهم هذه بطيئة بسبب عدم وجود القائد الموجه الذي يستطيع استنهاض الجميع ويحدد مطالب المعارضة التدريجية والمتصاعدة
العدد 938 - الخميس 31 مارس 2005م الموافق 20 صفر 1426هـ