عندما تتجول في أحياء دمشق العاصمة، لن تستطيع بسهولة الخروج من تلك الأزقة الضيقة المتشعبة التي تنقلك من القرن العشرين إلى قرون أخرى مضت وبقي أثرها شاهدا على أن أهل تلك القرون كانت تعيش في هذه الأحياء القديمة.
لو سألت أحدا في دمشق لماذا لا تهدم هذه الأبنية القديمة التي تكاد أن تسقط على رؤوس قاطنيها، سيضحك من سؤالك المسئول حتى طفلا صغيرا، ويقول لك بكل اعتزاز "ممنوع" لأن هذه الأحياء ليست ملكا لقاطنيها وإنما هي ملك كل من ينتمي لهذا البلد، فهذه الأحياء هي جزء من التاريخ، والتاريخ لا يمتلك بوثيقة، والدولة ملتزمة بترميم هذه البيوت والأحياء، وإبقائها على ما هي عليه من صورة تعكس اعتزاز الإنسان بماضيه.
أكثر تلك البيوت يعود تاريخها إلى القرن الأول الهجري، أما مقبرة عالي فيعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد ! وهي لا تحتاج إلى موازنة بيوت دمشق للحفاظ عليها، كل ما تحتاجه هذه القبور هو حمايتها من الزحف العمراني الذي هو اعتداء على التاريخ والماضي والثقافة الأصيلة لهذا البلد.
كيف يمكن لنا أن ندعي انتماء لهذه الأرض، ونقبل بمحو تاريخها، وقتل ماضيها؟ الاعتداء على الماضي اعتداء على الحاضر وإذا كان هناك من لا يهمه الحفاظ على تاريخ هذا البلد، يمكن له أن يبحث عن بلد بدون تاريخ فيجرف ما يشاء من تلالها.
مسئولية صد هذا الاعتداء مسئولية مشتركة، وعلى الجميع أن يكون لديه موقف واضح و إلا فسنجد أنفسنا بعد أيام قليلة بدون هوية، وستتمنى العظام التي سكنت تلال عالي والتي ربما جلبت من غير هذه البلاد لتسكن أرض "الخلود" لو أنها دفنت في الحارات السورية أو أي بلد آخر يعتز بتاريخه، ولا يدوس عليه بالجرافات
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 926 - السبت 19 مارس 2005م الموافق 08 صفر 1426هـ