بادئ ذي بدء، وقبل ان ادخل فيما يطبق لدى المحاكم الشرعية والمدنية على اختلاف درجاتها بشأن الحبوة، والاختلاف الحاصل في وجهات النظر بين القضاءين المذكورين ابدأ في مفهوم الحبوة، وتطبيقاتها العملية، وانقل ذلك حرفيا من كتاب "كلمة التقوى، الجزء السابع، كتاب النكاح، فتاوى المرجع الديني آية الله، الشيخ محمد أمين زين الدين" رحمة الله عليه، فقد جاء في المسألة 112 "الحبوة هي سيف الميت ومصحفه وخاتمه، وثياب بدنه، واذا كان أكبر اولاد الميت انثى اختص بها الذكر الأكبر منهم، واذا كان الذكر واحدا اختص بها وان كان منفردا أو كان اصغر الجميع، واذا كان اولاد الميت جميعهم اناثا، فلا حبوة ولا اختصاص، ولا حق لسائر الورثة مع وجود الولد الذكر الأكبر في اعيان الحبوة ولا في قيمتها على الاقوى، ويجب دفعها للمحبو من غير عوض، زيادة على نصبة الذي يناله من ميراث ابيه".
وفي المسألة 113 قال المرجع الديني: "لا تدخل في الحبوة راحلة الميت ولا رحله، والراحلة هي الناقة التي يتخذها الرجل وسيلة للسفر عليها والتنقل من بلد الى بلد، والرحل هو ما يشد على ظهر الراحلة للركوب عليها كالسرج للفرس وقد تطلق الراحلة على بعض الدواب الأخرى التي تتخذ لقطع المسافات من حمير وبغال وغيرها، ويطلق الرحل على ما يعد للركوب عليها، وعلى أي حال فلا تشمله الحبوة فضلا عن ان تعم غير الدواب من سيارة وغيرها".
بعد هذا التوضيح المفصل، دعونا ندخل ردهات المحاكم لذي وجهات النظر المتعارضة في القرارات والاحكام.
فقد تقدم وارث فقط من مجموعة ورثة من اولاد وبنات، وكان هو الأكبر يطالب المحكمة الكبرى الشرعية بالحبوة في سيارة كان يملكها والده المرحوم "والتركة من اموال قليلة وعقارات بمساحات ضئيلة" فقررت المحكمة الكبرى الشرعية تسجيل السيارة باسم المدعي طالب الحبوة، دون الورثة الآخرين، وكتبت المحكمة الكبرى الشرعية خطابا الى مدير إدارة المرور والترخيص لتسجيل هذه السيارة باسمه "واحتفظ بصورة الرسالة" فما كان من باقي الورثة إلا أن تقدموا بدعوى مدنية لدى المحكمة الكبرى المدنية/ الغرفة الأولى يعترضون على تسجيل السيارة باسم هذا الوارث ، ويطلبون ان تكون من اعيان التركة وقسمتها بين كل الورثة، والمحكمة الكبرى المدنية قررت في خطاب مستعجل، حجز السيارة، وعدم تسجيلها باسم الوارث المدعي الذي قدم طلبه لدى المحكمة الشرعية "وأحتفظ بصورة الخطاب من المحكمة الكبرى المدنية" فما ان وصل الخطابان المتعارضان الى مدير إدارة المرور والترخيص فقد احتار لمن يستجيب ولمن يسجل السيارة المذكورة من عدمها، هل يسجلها باسم المدعي بموجب خطاب المحكمة الكبرى الشرعية، ام يسجلها باسم الورثة بموجب خطاب المحكمة الكبرى المدنية؟ إلا أن مدير إدارة المرور قرر حجز السيارة مؤقتا لحين صدور حكم نهائي من المحكمة الكبرى المدنية ويصدر حكم نهائي في الدعوى رقم 2/98/3970/8 م المحكمة المدنية بحصر التركة وتوزيعها على كل الورثة، واعتبار السيارة من أعيان التركة، وهي ملك لكل الورثة.
وجاء في أسباب هذا الحكم المدني: "وحيث وان كانت المحكمة الشرعية، قد خولها القانون، بحكم مالها من سلطة، اتخاذ ما تراه مناسبا من قرارات على طلب الخصوم، إلا أن تلك القرارات لا ترقى الى مرتبة الحكم ولاسيما قرار حجز السيارة موضوع الدعوى، واعتبارها احد عناصر التركة، إذ إن المحكمة ازاء ما تقدم، ترى حجز تركة المتوفى في العقار والسيارة والمبلغ المودع، وتوزيعها على الورثة كل حسب نصيبه في الفريضة الشرعية".
ونرى ان قرار المحكمة الشرعية غير صحيح في مسألة حجز السيارة، وتسجيلها لأحد الورثة، وذلك لأسباب كثيرة:
1- إن المحكمة الكبرى الشرعية قد خالفت فتوى المرجع الديني الشيخ محمد أمين زين الدين رحمة الله عليه، إذ يعتبر السيارة ليست حبوة، وانما الحبوة فيما تقدم ذكره اعلاه، وقد ايده مراجع كثيرون.
2- إن قرار المحكمة الكبرى الشرعية صادر من قاض واحد فقط، على رغم ان هيئة المحكمة من ثلاثة قضاة.
3- المحكمة المدنية هي الجهة المختصة في فتح التركات وتوزيع الاعيان.
4- لم تكن هناك دعوى مرفوعة امام القضاء الشرعي، ولم يطلب من الورثة الحضور للدفاع، وانما هو تصرف شخصي، وهو مرفوض هذا التصرف شرعا وقانونا.
5- خير ما فعله بقية الورثة ان اقاموها امام المحكمة المدنية لتصفية التركة لانقاذ حقهم في الاعيان ومنها السيارة سالفة الذكر.
والسؤال الذي يتبادر الى الذهن: لماذا لا يضاف الى قلم كتاب المحكمة جهاز من قاض شرعي، وآخر مدني مهمتهما الاشراف على صحة سير الدعوى الى المحكمة المختصة باتفاق، وكذلك رصد المراسلات الصادرة الى الجهات الرسمية، وعدم تعارضها كما حصل في هذا الموضوع من رسالتين متعارضتين الى مدير إدارة المرور والترخيص الأولى بطلب تسجيل السيارة باسم احد الورثة والأخرى بطلب تسجيل السيارة باسماء جميع الورثة، ومن وجهة نظري ان هذا الجهاز المقترح به يكون العمل به أكثر اتقانا، وانفع للوقت والجهد. قال الرسول الكريم "ص": "ان الله يحب إذا عمل احدكم عملا أن يتقنه"
العدد 918 - الجمعة 11 مارس 2005م الموافق 30 محرم 1426هـ