العدد 916 - الأربعاء 09 مارس 2005م الموافق 28 محرم 1426هـ

الديمقراطية وحقوق الإنسان

حسين السماهيجي comments [at] alwasatnews.com

لم تنهض ديمقراطية في التاريخ إلا عبر التسليم بمقولة أساسية تختزنها في جوفها، وتكون بمثابة الفصل في التعريف الجامع المانع، ألا وهي مراعاة حقوق الإنسان.

مقولة "حقوق الإنسان" لم تعد ترفا، أو مطلبا جزئيا لفئة مهمشة أو مظلومة. إنها الركن الذي يركن إليه ويوثق به في أية حركة إصلاحية أو تغييرية بصورة إيجابية. وهي، فوق ذلك كله، تحظى بوجود مركزي في المواثيق والمعاهدات الدولية، بدءا من مواثيق الأمم المتحدة، ومرورا بمنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز، وانتهاء بالجامعة العربية وأدبيات مجلس التعاون الخليجي. لذلك كله، ولأمور أخرى أكثر تعقيدا وتشابكا مما يبدو للوهلة الأولى، نجد أنه من الغريب أن تقوم السلطة مهما كانت بمصادرة حرية الإنسان بزعم أنه مارس حرية التعبير بصورة سيئة... بينما نجدها، في الوقت نفسه، تقبل بفعل المصادرة لرأي وأحاسيس وعواطف الغالبية الشعبية من قبل فرد أو أفراد معزولين، لسبب بسيط هو أنها غير راضية عن ممارسة حرية التعبير في الحالة الأولى، بوهم أنها قد تمسها وتنال من وجودها الذي تسبغ عليه هالة القداسة، بينما - في الحالة الثانية - تغض الطرف ولا تبالي بغضبة شعبها، وتضرب عرض الجدار بمبادئه ومسلماته.

إن الديمقراطية الحقيقية في مثل مجتمعاتنا الشرقية التي أشبعت ذلا وعسفا مطلب عزيز المنال. وسيكون لها ولابد ضريبة باهظة، لن يكون أشدها وأصعبها ما قد نقع عليه من نقد قاس لمختلف الأجهزة الرسمية ولتاريخية ممارساتها. وعلينا أن نقر جميعا بقداسة موضوع "حرية التعبير" مع حفظ الموازنات التي تقوم عليها حياة الشعب، وتكرست تقليدا نرجو له الديمومة، مع الرفض الصارم لاغتيال حرية الشعب تحت أية عناوين. وها نحن بالأمس القريب، قد شهدنا جميعا الحدث اللبناني بكل رهبته وعنفوانه، وبكل جرأته في خطاب معارضة السلطة. ومع ذلك لم نر أو نسمع عن معتقل لبناني تمت مصادرته لأنه انتقد السلطة والأجهزة الرسمية، وتجاوز بخطابه الذي استثمر اغتيال رفيق الحريري ليتهم أجهزة الدولة بالخضوع لهيمنة الأجنبي والقبول بكونها رهينة له.

أفلا نتعلم من ذلك الحدث العربي كيفية التعامل مع الآخر؟! وكيفية إدارة المعركة معه من دون الوقوع في فخ مصادرته وشطبه وحجبه لسنوات في معركة طرفاها غير متكافئين على الإطلاق؟!... ثم كيف نسي الجهاز الرسمي أن حرية التعبير كانت تمارس بأقصى طاقتها، ولم توفر حتى رموز المعارضة من النقد الذي ربما تجاوز، في أحايين كثيرة، النقد الذي كان يوجه للسلطة بمختلف أجهزتها؟!

ينبغي على الأجهزة الرسمية التي تقوم بفعل المصادرة أن تعلم أن هذا الأسلوب لم يعد يجدي نفعا في ظل التطورات الحاصلة في مفاهيم وأدوات الاتصال والتقنية الحديثة. ولتعلم وزارة الإعلام بأنها تهيئ لتفريخ أكثر من "بحرين أون لاين"، وبقسوة أشد هذه المرة. كما وينبغي أن تعي الدرس جيدا، بأنه كان من الجدير بها، وببقية الأجهزة الرسمية، لو أنها عوضا عن فعل الحجب والمصادرة طوال السنوات الماضية... الأمر الذي يخالف ويعتدي على مسلمات العهد الإصلاحي، كان جديرا بها لو أنها دخلت في حوار علمي ومدروس مع المنتديات الإلكترونية، وبمشاركة فعالة من أصحاب المنتديات والجمعيات الحقوقية ومختلف الرموز والنخب المشهود لها بالكفاءة والنزاهة. وهي لو فعلت ذلك لكانت قد أسست لفعل ديمقراطي صحيح بالإمكان البناء عليه للمستقبل، فيما هي تقوم بصيانة وحراسة الحريات الأساسية لأبناء الشعب والمتمثلة أساسا بحرية التعبير.

هذا وإن تعجب فلك الخيرة من أمرك...! ولك أن تقرأ ما يثير في نفسك الاشمئزاز من كتابة تتلبس بلبوس الناصح لمن صودر طيلة سنوات ولم يجد احتجاجه نفعا، بل كان التحدي هو العنوان العريض لمعركة بين طرف لا يطيق سماع أي صوت آخر مختلف أو نقيض، وبين طرف يتوسل الذات المصادرة ويشهرها على صليب تاريخ لم يجف مداد عروق من كتبوه بعذابات ومعاناة أمثال الشيخ الجمري والإسكافي وسواهم... سواء منهم من مضوا، أو من ينتظرون... "وما بدلوا تبديلا

العدد 916 - الأربعاء 09 مارس 2005م الموافق 28 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً