جدل هائل أثاره الكتاب والباحثون قبل فترة بشأن إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش عن عزمه تنفيذ مشروع جديد لإنشاء "الشرق الأوسط الكبير" أو ما أطلق عليه رسميا "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط". ولكن هذا الجدل والصخب زال تماما الآن بعد أكثر من عامين. فهل استطاعت الولايات المتحدة تنفيذ هذا المشروع على أرض الواقع؟
من خلال الرصد تتضح حقائق مهمة، وعبر استعراضها يمكن الإجابة عن السؤال السابق. فمنذ إعلان وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول في الثاني عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2002 عن إطلاق مبادرة الشرق الأوسط الكبير، عكفت الإدارة الأميركية على تنفيذ سلسلة من المبادرات الثنائية والجماعية مع بلدان الشرق الأوسط، ومعظمها من البلدان العربية تحديدا، إذ تم إنفاق ما يقارب 292,9 مليون دولار على كل هذه المشروعات خلال الفترة من 2002 إلى ،2004 وبحسب القائمين على هذه المبادرة في وزارة الخارجية الأميركية فإنه يتم إنفاق نحو مليار دولار سنويا لتنفيذ مشروعات المبادرة مع الدول العربية.
هذا على الصعيد المالي، أما على الصعيد العملي فقد تم تنفيذ 71 فعالية ضمن هذا المشروع "من المتوقع أن تصل إلى 102 فعالية بنهاية العام الجاري" شملت المجالات السياسية والاقتصادية والقانونية والإعلامية والاجتماعية والتعليمية، وأقيمت هذه الفعاليات في عشر دول عربية فقط حتى الآن، وهي: البحرين، لبنان، الجزائر، قطر، مصر، الأردن، المغرب، تونس، الإمارات وفلسطين. ومعظم هذه الفعاليات تراوحت بين تنظيم ورشة عمل أو دورات تدريبية، ولكنه من غير المعروف عدد المشاركين في هذه الفعاليات أو حجم المستفيدين منها.
وبهذه الحقائق يمكن القول إن نصف البلدان العربية استفادت من مشروعات مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط على الأقل. وإذا تمت المقارنة بين هذه الحقائق وأهداف المبادرة فستظهر حقائق أخرى. فأهداف المبادرة تشمل ثلاثة مجالات هي الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي والإصلاح التعليمي وتمكين المرأة.
ففي مجال الإصلاح السياسي تسعى المبادرة إلى تعزيز الممارسة الديمقراطية وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز سيادة القانون ومأسسة الحكومات، أما في مجال الإصلاح الاقتصادي فتهدف المبادرة إلى تحسين القدرات الاقتصادية التنافسية لدول الشرق الأوسط على المستوى العالمي، وتشجيع الاستثمار الأجنبي والمحلي المباشر، وزيادة حجم الإيرادات وتطوير العمالة في المؤسسات المحدودة. بالإضافة إلى ذلك فإن المبادرة ترمي إلى تحقيق الإصلاح التعليمي من خلال نشر التعليم الأساسي والثانوي لجميع أفراد المجتمع وخصوصا النساء، وتطوير جودته بالإضافة إلى الاهتمام بالمعلم باعتباره جزءا أساسيا في العملية التعليمية، وتوطيد المهارات التي تتناسب واحتياجات سوق العمل. أيضا تهتم المبادرة بتمكين المرأة عن طريق إزالة كل العوائق التي تحول دون تفعيل دورها في المجتمع وصولا إلى تحقيق مشاركتها الكاملة في المجتمعات.
وبالنظر إلى هذه الأهداف وطبيعة البرامج التي تم تنفيذها في إطار مبادرة الشراكة هذه، سنجد أن الولايات المتحدة استطاعت أن تقطع شوطا جيدا في تنفيذ أهداف المبادرة، فهناك حوادث كثيرة وتطورات جديدة في الوقت الراهن يمكن ملاحظتها على المستوى العربي فضلا عن الخليجي، تشير إلى إمكان تنفيذ أهداف المبادرة الأميركية. وإذا كانت الأموال الطائلة قد أنفقت على إقامة مشروعات مشتركة بين الولايات المتحدة والبلدان العربية فإنها لم تحقق حتى الآن إلا الحد الأدنى من النتائج. ولكن المفارقة هي القابلية السريعة لدى الحكومات والشعوب العربية في التعاطي مع هذه المبادرة التي اعتبرها كثيرون في بداية الأمر بأنها "مبادرة مشبوهة". وللحديث صلة..
العدد 915 - الثلثاء 08 مارس 2005م الموافق 27 محرم 1426هـ