كيف ستقرأ الولايات المتحدة وأوروبا "فرنسا تحديدا" و"إسرائيل" اختلاف الأولويات اللبنانية؟ هناك اختلاف في الأولويات التي تنظم حركة علاقات واحتجاجات الفعاليات والهيئات والأحزاب في هذا البلد الصغير. والكلام عن وحدة لبنانية هو صحيح في جانب منه وخطأ في الجانب الآخر من الصورة. فلبنان موحد على الكثير من الأمور وبعض النقاط المشتركة وهو منقسم على بعض المسائل الداخلية والإقليمية والدولية. وهو أيضا غير متفق على تفسير تلك القضايا المشتركة أو القضايا الخلافية.
لفظيا ليس هناك من اختلافات واسعة في القراءات والشروحات إلا أن التدقيق في معاني الكلمات والخلفيات يكشف عن وجود هوة واسعة تفصل فرقاء الصف اللبناني. فالنظر في السطور وبينها يظهر صورة منقسمة لا تتفق إلا على العموميات. فالكل يحترم الوجود العسكري السوري وحاجات دمشق الاستراتيجية إليه، والكل ينتقد تدخل الأجهزة الأمنية في الشئون الداخلية والخاصة، والكل مع المقاومة وحق لبنان في الدفاع عن سيادته وأراضيه، والكل ضد العودة إلى الاقتتال وعدم مس السلم الأهلي، والكل مع سيادة لبنان وحريته واستقلاله، والكل مع الحقيقة والبحث عن المجرم الفاعل والمنفذ المستفيد من جريمة اغتيال رفيق الحريري.
الكل مع هذه المطالب المشتركة والكل أيضا ضدها في حال أعيدت قراءة تفصيلات الخطابات السياسية اللبنانية. فهذه المطالب مشتركة إلا أن قراءة عناصرها وتفسير خلفياتها يكشفان عن اختلافات جوهرية تشير إلى وجود انقسامات سياسية لبنانية. ورأس تلك الانقسامات يبدأ باختلاف الأولويات أو جدولة نقاط الاتفاق. فهناك فريق يضع على رأس برنامجه الوجود السوري "الأمني" وهناك من يضع على رأس جدول أعماله حماية الوجود السوري "العسكري". وهناك من يرى أن مهمة المقاومة انتهت عسكريا ولابد من حمايتها سياسيا. وهناك من يرى أن مهمة المقاومة لاتزال قائمة ولابد من حماية دورها. وهناك من يرى أن اتفاق الطائف يتعارض مع القرار 1559 وهناك من يراه لا يتعارض، وهناك من لا يراه متعارضا في الجوهر. وهناك أيضا من يضع القرار الدولي فوق الطائف وهناك من يضع الطائف فوق القرار. وهناك وهناك إلى آخر التفصيلات التي تكشف في النهاية عن وجود اختلاف في الأولويات اللبنانية.
اختلاف الأولويات اللبنانية بدأ لاشك منذ لحظة التفكير بالتمديد للرئيس الحالي وتعديل الدستور. فالتمديد جرى في ظل مراقبة دولية بدأت من فكرة "كل الخيارات مفتوحة" وانتهت إلى قرار "إميل لحود الخيار الوحيد". هذا التبدل في الموقف أعطى فرصة للمراقبة الدولية في وضع خلافاتها جانبا والاتفاق على موقف دولي موحد صدر عن مجلس الأمن. ومنذ تلك اللحظة، لحظة صدور مشروع قرار الفتنة السياسية، توتر الداخل اللبناني واضطرب وصولا إلى تحشيد الشارع من هنا وهناك تحت الشعارات نفسها والعلم نفسه. ولكن الحقيقة تقول إن فرقاء الصف اللبناني غير متفقين على تفسير الشعارات أو على معنى العلم وألوانه وأرزته.
هناك اختلافات في الأولويات اللبنانية. وهذا خطير محليا ولكنه ليس مهما للقوى الكبرى وتلك الدول التي تستعد وتتحين الفرصة لتوجيه ضربتها أو قول قولها في المسألة.
الأهم من الاختلافات اللبنانية هو كيف ستقرأ الولايات المتحدة وأوروبا "فرنسا" و"إسرائيل" هذا الاصطفاف؟ مثلا هل ستستغله لتفجير الاستقرار الداخلي في لبنان وهز أركان الدولة مجددا، أم أنها ستعمل على تحييد البلد الصغير من المعادلة الدولية - الإقليمية الكبرى بالاتجاه مباشرة نحو سورية وحزب الله؟
حتى في مسألة الأولوية هناك اختلافات دولية وإقليمية بشأن جدول النقاط وترتيبها. "إسرائيل" مثلا تعتبر أن الأولوية لحزب الله وأحيانا تقول إن الوجود السوري هو عامل استقرار للبنان. فرنسا لا توافق وترى أن المشكلة في الوجود السوري وترفض أن تضع حزب الله على قائمة "منظمات الإرهاب". الولايات المتحدة حائرة في موقفها بين حليفها الدائم وبين صديقها الأوروبي الجديد ولكنها كما يبدو تميل إلى الموقف الفرنسي من دون إهمال بقية الفقرات التي يتضمنها القرار الدولي.
إذا هناك اختلاف في الأولويات اللبنانية. وكذلك هناك قراءات دولية مختلفة لترتيب تلك الأولويات. والآن وبعد تلك الحشود المتبادلة بين ساحة الشهداء وساحة رياض الصلح في بيروت كيف ستقرأ الدول الكبرى والمعنية بالموضوع تلك الأولويات، ومن سيأتي قبل الآخر؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 915 - الثلثاء 08 مارس 2005م الموافق 27 محرم 1426هـ