بصراحة، لم الإصرار على احتفالية نساء البحرين كما العربيات بيوم المرأة العالمي 8 مارس/آذار، وتبني شعاره السنوي المرفوع من قبل الأمم المتحدة؟ بوضوح أكثر، لا أدري إن كانت نسوة البحرين يتذكرن بالأصل ما حدث في ذلك اليوم أم لا؟ وعلى رغم إصرار الكثيرات على تذكيرنا سنويا بحكاية النساء الأميركيات العاملات، لا أعتقد بتاتا ان الذكرى راسخة في أذهان الجميع، وهذا ليس بمستغرب ولا مستهجن، فالمرء لن تحركه وتثيره إلا القضايا الدائرة من حوله والتي تمس مصالحه ومشاعره، يتحمس لها ويتابعها. فهل يرجع ذلك إلى ثقافتنا؟ ربما، بيد أن الحديث هنا لا يتضمن البتة، الدعوة إلى التوقف عن الاحتفال بيوم المرأة العالمي، على الأقل لتحسس الهم الجامع والمشترك بيننا وبين نساء العالم من هموم ومشكلات يومية تبدأ من الطفولة ولا تنتهي عند الكهولة.
مر بي خبر منذ أيام يفيد بأن زوجا مخمورا من كمبوديا أيقظ زوجته من عز نومها في منتصف الليل طالبا منها إعداد وجبة طعام له، ولأنها لم تستجب له بالسرعة المتوقعة، وتقفز ما بين يديه قائلة: "شبيك لبيك عبدتك بين يديك"، لم يتوان عن ضربها على رأسها ببطارية السيارة التي يستخدمونها لتوليد الكهرباء في المنزل، ما تسبب في إدخالها فورا إلى غرفة الإنعاش بالمستشفى وهي لاتزال في غيبوبة لا يعلم غير الله متى ستفيق منها! لكن السؤال: هل هناك قانون سيحميها إن قدر لها ونجت من هذه الجريمة؟
شاب يمني "23 عاما"، دعا خطيبته "19 عاما" للخروج معه في الساعة السادسة صباحا وهو في حال سكر، وحين رفضت إنهال عليها بالسكين وقام بفصل رأسها عن جسدها وفر هاربا وسط صدمة والديها والجيران. ما الذي يجمع ما بين المرأة الكمبودية وهذه الشابة اليمنية والفتاة البحرينية ذات العشرين ربيعا التي توفيت بعد دخولها غرفة الإنعاش بأيام في شهر رمضان الماضي بمستشفى السلمانية وكتبت الصحف عن حكايتها المبتورة، وخمنت أن ما حدث للفتاة كان إثر ضرب مبرح تلقته من زوجها. أهلها أقاموا دعوى قضائية للمطالبة بحق ابنتهم بعد وفاتها. والسؤال: هل من قانون يحقق لهم مطالبتهم ويحمي الأخريات مما يتعرضن له من مواقف مشابهة؟
شاءت الصدف أن التقي بنساء تعرضن لكل صنوف العنف والإهانة، انتهت بيوتهن إلى الانهيار، وتقوضت علاقاتهن الزوجية على مذبح الشجار اليومي الدائم، والعنف الذي يمارسه الزوج، وتدخل أهل الزوج أحيانا وممارستهم عنفا مضافا عليها. عانين ما عانين من القهر والاذلال، إلى الحد الذي لم أقو على فصل مشاعري عند التعاطي والبحث والتمحيص في مشكلاتهن. سكنتني حكاية إحداهن بكل تفاصيلها التي حدثتني عنها، أصابتني لأيام بحال قيء وتوتر وقلق. قالت لي متشنجة وباكية: "لم أعد احتمل حياتي، لا أعير اهتماما لأي شيء، فقدت الثقة بمن حولي، ولم أعد أطيق نفسي".
سألتها وأنا محرجة من صفاقة سؤالي المباشر، فقد تعينني إجابتها على اكتشاف عالمنا المتخفي وراء شعارات طنانة ومعايير إزدواجية لما يقول ويفعل:
- هل اغتصبك، كيف؟
- نعم، بعد صدور حكم المحكمة بطلاقي بمدة قصيرة، حضر إلى سكني، واغتصبني أمام بناتي، أهانني بألفاظ نابية واتهمني في شرفي، هذا ما يحز في نفسي، ردد علي ما كان يقوله لي قبل الطلاق، كبرت وبان قبحك، لم تعودي عفيفة من كثرة علاقاتك مع الرجال، دعيني أثبت لك ذلك...!
واصلت نشيجها الذي أصابني بالخرس، لم أزد حرفا ولم أنطق بكلمة، دخلت في صمتي لأيام، باحثة عن سر الحيوانية في سلوك بعض الرجال، أنقب وأحفر عن مكامن ضعف النساء، اللواتي تستفزني أيضا قوة وجسارة بعضهن، وركوبهن المخاطر، وتحملهن للمسئوليات الجسام بدءا من تربية الأبناء والبنات، إلى حمل هموم موازنة الأسرة وتدبير أمورها المالية، وهموم الزوج وأهله... إلخ. تساءلت بغضب: لم يستكن بعضهن ويضعف؟ هل هن المسئولات أم غياب القانون الأسري العادل؟
فتحت لي هموم من تحدثت إليهن ومشكلاتهن أسئلة بحاجة إلى إجابات، بعضها مألوف واعتاد عليه المجتمع وترسخ في الأذهان، غالبيته يوصلنا إلى البحث عن أصل الخطئية وقدرية المرأة وضلعها الأعوج، وبعضها ينقب في الأفكار والمشاعر التي استجدت وصارت مع الوقت هما مشتركا لنساء العالم أجمع، إنها الأسئلة ذاتها الدائرة حول محور احتفالية "يوم المرأة العالمي"... لماذا؟ وكيف؟ تذكرنا بما تحقق وما لم يتحقق على صعيد حقوق المرأة، هي ذاتها التي تستوجب مراجعة أجندة الحركة النسائية البحرينية فيما حققته وما لم تحققه أو تستشعر أهميته على صعيد المطالبة بالقوانين والتشريعات المتعلقة بصون المرأة وحماية حقوقها، بدءا من حق العيش بكرامة، ومقاربة بنود الاتفاقات التي وقعتها والتزمت بها مملكتنا العزيزة في مجالات حقوق الإنسان عموما والمرأة خصوصا بالقوانين المحلية، إذ إن قوانين الشرعة الدولية لم تهبط من فضاء إنما حطت في كل المحطات نتيجة طبيعية لتراكم نضالات شعوب العالم ونسائه من أجل المساواة وضد التمييز والعنف بكل صنوفه. الأسئلة أيضا مقرونة بدعوة لكسر كتمان الأحاسيس والأفكار، واجتياز حواجز الخوف الواحدة تلو الأخرى بانتصارات تحقق لنا قوانين وتشريعات أسرية وتوفر للمرأة فرص عمل وتعليم وصحة متساوية وتنصفها كمواطن من الدرجة الأولى، لها ما لها وعليها ما عليها تماما مثل الرجل.
لم يعد هناك من مبرر لاستمرار ممارسة المزيد من العنف، ليس باسم الايديولوجيا أيا كانت، ولا تحت لافتات التهديد والخوف من العار أو إلصاق التهم أو الأوصاف اللاانسانية والمجحفة بحق النساء المعنفات وغيرهن.
البحرينيات بحاجة للاستفادة من تجارب نساء العالم في تجنب عوامل الكبح المتمثلة في النصائح التقليدية التي تجبرهن على الامتثال للظلم تحت مبررات عدم حقهن في الطلاق، أو الارتياب من المرأة المطلقة أو حتى لوجود أبناء يتحتم على الأم وحدها حمايتهم في الوقت الذي يتخلى الأب والمجتمع والدولة عن واجباتهم في الحماية والتربية والإنفاق عليهم.
لا مزيد، لكي تتحمل النساء الضرب والتحرش والاغتصاب والاهانة، وهن قبل غيرهن مطالبات بحسم أمورهن، من خلال الإصرار على التعليم والعمل والاستقلالية والاعتماد على الذات وتجاوز الآلام بالثقافة والمعرفة بالحقوق والتشريعات التي تحمي المرأة وتصون كرامتها كأم وكإنسانة، فضلا عن رفض الذل ومقاومة الخوف أيا كان مصدره، فما يمارس من عنف ضد المرأة وأحيانا بتواطؤ من المجتمع الذي يحكمه أرث متراكم من التقاليد والأعراف، لاشك انه يهدد الصحة النفسية ويهز صورة النفس، ويشل قدرتها على التوازن مع الذات والعطاء والتعامل مع العالم المحيط بها والانخراط في الشأن العام. إنه يتسبب بشعور من الوحدة، لهذا اعتبر البعض ان الصمت على العنف جريمة يتحملها المجتمع، وهو ليس أمرا خاصا عندما يهدد سلامة الأسرة، وهو يعني خللا في وزن الأمور والتحكم بالمشاعر وسوء استخدام للسلطة والقوة.
هناك حقيقتان، الأولى: لم يعد الحديث عن العنف داخل الأسرة شأنا خاصا بالأسرة لا يجوز لطرف ثالث أن يتدخل فيه. والثانية: عدم الرضوخ لما قيل من إنه لا مجال للحديث عن العنف لسبب أن النساء أنفسهن يقبلن به ويصمتن عليه. المرأة قبل غيرها بحاجة إلى مراجعة بعض الصعوبات التي تواجهها عبر خلخلة وتكسير الأقاويل الآتية: "لأنني أحبه وأتمنى أن يأتي اليوم الذي يتوقف فيه عن ممارسة ذلك العنف؛ لأنني أبحث عن الأسباب التي تجعله يعنفني؛ لكي أحافظ على شرف الأسرة؛ من باب الإخلاص للأسرة والأولاد؛ لأنني أخشى الوصمة الاجتماعية وكلام الناس؛ لأن طاعة الزوج واجبة؛ لأن دوري الأول والأخير أن أكون زوجة وأما صالحة وأسعد زوجي وأسرتي؛ لأن طلباتي يمكن أن تنتظر؛ لأنني أعتمد على زوجي ماديا؛ لأن الأولاد يحتاجون لأبيهم حتى لو كان يعنفهم؛ لأنني لا أملك مكانا كي أعيش فيه ولا وظيفة أو عملا أرتزق منه؛ لأن المجتمع لن يقبلني امرأة مطلقة...لأن ولأن، يجب أن تتوقف فورا!"
عام يمر وآخر يمضي، وفي 8 مارس وخزة تذكرنا بظلم النساء وحقوقهن، تعود الذكرى علينا لكي نستلهم نفسا قويا صامدا يناهض الاحتواء ويقاوم الاستحواذ، نستلهمه بما ناضلت من أجله رفيقة الدرب عزيزة البسام لنيل الحقوق وتحقيق الأحلام، سلام عليها وعلى جميع مناضلات الوطن من شرقه إلى غربه
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 914 - الإثنين 07 مارس 2005م الموافق 26 محرم 1426هـ