سؤال موجه إلى وزارة التربية والتعليم: إذا كان الخريج سيجلس في بيته 5 سنوات على أقل تقدير لتتكرم الوزارة عليه بعد ذلك ويلتحق بسلك التدريس، فهل نتوقع منه رجاء أو شكورا؟!. .. مازلنا نبحث في ملفات المدرسين العاطلين عن العمل والكل ينبش بطريقته الخاصة أو ضمن اختصاصه وأحيانا تطفلا وفي كثير من الأحيان ذر الرماد في العيون لتبصر زين الكلام وتعمى عما وراء ذلك الكلام من حقيقة قد تلقي بأحلام هؤلاء المترقبين لمجرد اتصال من الوزارة، ينبئهم بموعد لامتحان أو مقابلة لا أكثر، على أقساها صخرة!
"ساقني القدر للالتحاق بإحدى الجامعات الخليجية، ومن دون رغبة مني قبلت على مضض بدراسة اللغة العربية، وكانت "هي" تسبقني في دراسة التخصص بسنة لا أكثر، وكم استبشرت خيرا حينما علمت بأنها استدعيت لإجراء امتحان ومقابلة التوظيف قبل تخرجها بمدة! فذلك دليل على أن التخصص مطلوب في سوق العمل وبذلك فقد ضمنت وضمن غيري الوظيفة! وفعلا التحقت تلك بسلك التدريس بمجرد تخرجها ولكن زميلاتها من التخصص نفسه والدفعة نفسها وظفن معي وأنا التي مكثت خمس سنوات في المنزل بعد التخرج وفي رتبة مدرس احتياط وليس أساسيا"!... تلك غصة إحدى الملتحقات حديثا بسلك التدريس، فجرت أخيرا، ربما لأنها ضمنت مقعدا - ولو احتياطيا - في "جمهورية وزارة التربية" وإن كان لسان الحال يدمدم: "الحمد لله أني لم أمكث سنوات أكثر في البيت، إذ بالنظر إلى من التحقن معي فأنا في خير ونعمة... وشكرا يا تربية".
الحديث عن المدرسين الذين باتت حيطان منازلهم مدرستهم إلى أجل غير منظور يحتاج إلى فرد وسرد لا تتسع المساحة إليهما، ولكني أفكر في حال طلابنا الذين سيقعون في فخ هؤلاء المدرسين المجمدة عقولهم في ثلاجات منازلهم بأمر من وزارة التربية حتى إذا ما فاضت تلك الثلاجات بمخزونها وأرادت تكميم الأفواه - ربما - وزعتهم على المدارس كلاعبي احتياط لمدرس في إجازة أو تعبان أو مدرسة ما فتئت تتابع حملها في المراكز الصحية... وتشغيل العقل طوال سنوات الدراسة والتفوق ينصب في النهاية على إخماد صراخ التلاميذ الذين ما إن يروا "مدرس الاحتياط" مقبلا نحوهم حتى تنفرج أساريرهم وتعلو الضحكات والصراخ "ولا تشجيع اللاعبين في المباريات "هيه، هيه، احتياط""!
هذا حال من حالفهم الحظ بعد سنوات، فتحولوا إلى مجرد دمى تحركها الوزارة أو إدارة المدرسة كيفما تشاء، فلا هم بمدرسين ولا هم بأراجوز يضحك التلاميذ ويلاعبهم ولا هم بمراسلين مكسوري الخاطر يبعثون إلى هنا وهناك ويؤدون ما يؤمرون به وإن كان يتجاوز أمور المدرسة والتدريس إلى إشباع البطون وتسكين الجوع ومن دون تردد أو عصيان! أما الآخرون، وأخص مدرسات اللغة العربية تحديدا، اللاتي وقعن في مصيدة الوزارة حين عرضت عليهن دراسة تخصص آخر كنظام الفصل أو الفنون بشكل مكثف في الجامعة ومن ثم تنتقى الناجحات منهن للالتحاق بسلك التدريس في هذين التخصصين وكأنها تقول لهن "ضعن شهادة اللغة العربية وسنين دراستها في كأس واشربن ماءه"، فأي علم نرجوه لأبنائنا من مدرسات غير متمكنات من تخصصهن وقد أحبطن سابقا ومورست ضدهن وضد رغباتهن أبشع صنوف التعذيب ومصادرة الآمال وسنوات الشقاء والدراسة والفرض والإجبار غير المباشر والرضوخ للأمر الواقع لضيق الأحوال وتردي الأوضاع ؟
يأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه مدرسات اللغة العربية المخضرمات من نصاب للحصص فاق طاقاتهن وحرمهن التمتع بالصحة والعافية والشباب وجلسة هنيئة مع أزواجهن وعيالهن الذين سئموا المدرسة الأخرى التي اتخذت من منزلهم مقرا، ومن الزوجة والأم التي باتت مدرسة ومديرة ومصححة ومراسلة... بل وزارة بكاملها في هيئة أصغر!... أي خير وأي علم نرجوه لأبنائنا إن كانوا سيدرسون على يد مدرسي ثلاجات وزارة التربية؟
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 912 - السبت 05 مارس 2005م الموافق 24 محرم 1426هـ