العدد 91 - الخميس 05 ديسمبر 2002م الموافق 30 رمضان 1423هـ

ملفات العراق

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

العراق في سباق مع الوقت. والوقت لا يعمل لصالحه مادامت الخطط الأميركية غامضة، والشيء الواضح منها هو التصعيد والمزيد من الضغط لدفع بغداد إلى ارتكاب خطأ ما تعتبره واشنطن ثغرة في جدار القرار 1441. فالقرار المذكور هو كالسيف المسلط والتهديد باستخدامه أحيانا أسوأ من استخدامه لأن المقصود برفعه هو التخويف من تلك اللحظة والاستمرار في انتظارها، وقد تأتي الضربة فجأة وربما لا تأتي.

حال الارتباك هي واحدة من تلك الوظائف السياسية التي لم يشر إليها القرار الدولي ولكنها من الأدوات التي يقصد منها استنزاف الخصم حتى ينهك من كثرة الانتظار.

والعراق في خضم معركة الوقت قرر عدم الخضوع للعبة، فأعلن أنه سيرسل بيانه عن برنامج الأسلحة إلى الأمم المتحدة في 7 ديسمبر/ كانون الأول وقبل يوم من الموعد الذي حدده القرار 1441. البيان كما تقول المصادر العراقية سيوضح كل ما هو مطلوب وأكثر من المتوقع حتى لا تكون هناك ذريعة لاستخدام السيف المسلط.

إلا أن المسألة أكبر بكثير من موضوع التسلح وبرامج «أسلحة الدمار الشامل» كما تقول تصريحات المسئولين في الإدارة الأميركية. فهذه ذريعة لمشروع أوسع من مساحة العراق. والولايات المتحدة تعلم أكثر من غيرها ما يوجد في بلاد الرافدين وهي على اطلاع على ما يجري وتملك المعلومات الكافية عما تبقى من تصنيع عسكري وغير عسكري، وهي لا تنتظر بيان الكشف عن برامج «الدمار الشامل» بقدر ما هي تبحث عن فرصة مناسبة تبرر لحظة الهجوم.

ملف التصنيع العسكري ليس المشكلة وأيضا ملف «حقوق الإنسان». إلا أن الحكومة البريطانية قررت فتحه قبل أسبوع من «بيان الكشف» العراقي حتى تستمر المجادلة وتعطي قوة دفع جديدة لموضوع حار لم يعد يحتمل التأجيل والمماطلة. فالعراق منذ فترة ليست بعيدة دخل في إطار الاستراتيجية المتحركة للقوى الدولية وتحديدا الولايات المتحدة وبات موضوع التغيير مسألة ملحة تتجاوز ملف التسلح وقضايا حقوق الإنسان.

التغيير في العراق بات من ثوابت الاستراتيجية وهو موضوع متحرك بدأ منذ انتصار الحزب الجمهوري في معركة الرئاسة الأميركية ودخول جورج بوش الابن البيت الأبيض. فقرار التغيير مسألة ثابتة في برنامج بوش الابن وتعود إلى فترة زمنية تسبق ضربة 11 سبتمبر/ أيلول بشهور عدة.

وبالعودة إلى يوميات السياسة الأميركية بدأ التحرك لتغيير الوضع في العراق في الأسابيع الأولى لإدارة البيت الأبيض الحالية. آنذاك أرسل الرئيس وزير خارجيته كولن باول إلى المنطقة في جولة أولى لاختبار الاستعدادات السياسية والنفسية لإسقاط النظام العراقي. وكانت المفاجأة المتبادلة حين وجد وزير الخارجية الأميركي أن دول المنطقة ترى في حكومة ارييل شارون مصدر الخطر الإقليمي وهي التي تهدد السلم والاستقرار وكل ما تم التوصل إليه من اتفاقات وتسويات. بينما كان رأي الوزير أن مصدر الخطر على المنطقة هو نظام صدام حسين. فالعراق، كما حاول باول تسويقه، هو المشكلة وليست «إسرائيل» وعلى الدول العربية التفاهم مع الولايات المتحدة والاستعداد لمعركة تحسم ما تبقى من خطوات توقفت عندها حرب الخليج الثانية (1991).

انتهت زيارة باول إلى الفشل، بل وجدت الدول العربية في أفكار الإدارة الأميركية واقتراحاتها الكثير من السماجة وثقل الدم. ففي وقت كان شارون يسفح الدم ويفتك بالسلطة الفلسطينية ويدمر في أسابيع ما أنجزته الإدارة الأميركية السابقة في ثماني سنوات، حاول الوزير الأميركي تسويق خطة غير ناضجة وغير مبررة وخارج الموضوع.

وفجأة انقلبت الصورة وتعدلت الزوايا بعد 11 سبتمبر 2001. فبعد أن كان الرفض العربي يستند إلى أرض ثابتة وذرائع قوية تحولت الممانعة إلى ما يشبه السكوت ومن ثم القبول على مضض بالأمر الواقع. وتحول ما حمله باول في زيارته الأولى من «نكات» سمجة وثقيلة الدم إلى أفكار يمكن التفاوض بشأنها بشرط أن تحصل على إجازة دولية من مجلس الأمن، وهذا ما حصل.

الآن اختلفت الاتجاهات وبات المرفوض نقطة حوار بين الدول العربية والولايات المتحدة في وقت استمر شارون في سياسة سفك الدماء والاقتلاع.

والسؤال: أين نضع مسألة العراق بعد كل ما شهده العالم وتشهده المنطقة من تطورات انقلابية؟ هل نقرأ المسألة في إطار السلاح (وبرامج الدمار الشامل المضحكة المبكية)، أم في إطار حقوق الإنسان (المثخنة بالجروح والذكريات المؤلمة)، أم في سالفة تهديد دول الجوار وأمنها الوطني، أم في، وأم...

النقاط الأخيرة مبهمة وغامضة وهي مجرد تفاصيل صغيرة في استراتيجية كبرى. فالكلام عن النفط والسيطرة الإقليمية وتغيير الجغرافيا السياسية لخرائط المنطقة وابتزاز دول الجوار واختبار مدى حيويتها وفعاليتها وأخيرا استعدادها لمواجهة مشروع شارون الاقتلاعي وربما التوسعي... هي برأي الإدارة الأميركية مجرد «ترهات» و«مخاوف» و«أوهام» سخيفة لا تستحق الرد أو المناقشة.

العراق إذا في سباق مع الوقت، وبيان الكشف عن برامج التسلح يسعفه إلى أن تحين... اللحظة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 91 - الخميس 05 ديسمبر 2002م الموافق 30 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً