العدد 909 - الأربعاء 02 مارس 2005م الموافق 21 محرم 1426هـ

المقاومة وأهداف جرها إلى المعمعة الداخلية في لبنان!

حسن أحمد عبدالله comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يحاول بعض المعارضة اللبنانية جر المقاومة إلى المماحكات الداخلية عبر دعوات مشبوهة لانضمامها إلى المعارضة، أو إلى الحديث عن ان الضمانة الدولية هي التي تحمي لبنان كما صرح بذلك أكثر من مرة قائد الجيش السابق العماد ميشال عون، أو أحيانا الغمز من قناة تورطها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كما صرح مرة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط عندما قال: "فليساعدنا السيدحسن نصرالله بالتحقيق في قضية اغتيال الرئيس الحريري".

هذه الدعوات وهذا الغمز لا يمكن اعتباره دعوات بريئة الى رص الصفوف في مواجهة أزمة تعصف بلبنان على رغم خطورة هذه الأزمة، انما هي تدخل في إطار جعل موضوع المقاومة مبررا لتدخل عسكري أجنبي في لبنان بما يتناسب مع المطالب الإسرائيلية. وإذا قرأنا الرسائل الموجهة الى قادة المقاومة بإمعان لرأينا المخبوء في طياتها وهو أخطر بكثير من عملية اغتيال الرئيس الحريري لأن المطلوب تطويع لبنان وإدخاله عنوة في المعادلة الجديدة التي تعمل الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل" على تركيبها في المنطقة، إذ ان جعل المقاومة تغرق في الداخل اللبناني وتتخلى عن مهمتها الرئيسية المتمثلة في استكمال مشروع التحرير يقدم المبرر للاستنجاد المشبوه بقوى أجنبية لنزع سلاح "الميليشيا التي تهدد السلم الأهلي وتشكل أداة تهديد للأطراف الأخرى في البلاد"، بحسب وجهة نظر بعض المعارضة المعروفة الارتباطات والأهداف منذ زمن بعيد.

وجهة النظر هذه بدأنا نلمسها بوضوح في الخطاب السياسي المعارض الى درجة ان بعض المتسرعين في المعارضة عملوا منذ اللحظات الأولى التي أعقبت اغتيال الرئيس الحريري على إنكار الدور الكبير الذي لعبه الرجل في حماية المقاومة والتنسيق الدائم بينه وبين قيادتها، وذهب هؤلاء الى أبعد الحدود في ذلك الى درجة انهم اعتبروا الدعوة الى الحوار التي وجهها الأمين العام لحزب الله السيدحسن نصر الله "إعادة تعويم للسلطة".

وبعيدا عن الموقف من السلطة ومن الارباك الذي ظهرت عليه عقب اغتيال الرئيس الحريري فإن التجربة اللبنانية واضحة حيال الأسلوب الذي يتبعه البعض في محاولات جر الأطراف الى الشارع وإلهائها عن أهدافها الرئيسية واشغالها بـ "حروب الزواريب" و"حروب الإعلام" و"حروب المحروقات"، وغيرها من الحروب التي شهدها لبنان طوال السنوات العجاف التي أحرقت خضرة أرزته ودمرت حجر قلاعه وقتلت إنسانه.

وبعيدا أيضا عمن ارتكب جريمة اغتيال الرئيس الحريري فإن ثمة ثوابت لا يجب التعاطي معها من خلال "البازارات" الانتخابية، ولا من خلال المساومات في إطار التحالفات المرحلية. فإذا كان ميشال عون اعتبر قبل أقل من أسبوعين من بدء الاندحار الاسرائيلي من الجنوب اللبناني في مايو/ أيار العام 2000 ان المقاومة هي "قتل للبنانيين لحساب إيران وسورية"، فهو الآن وبعد الانتصار العربي الوحيد الذي تحققه مقاومة شعبية على "إسرائيل" لن يغير موقفه هذا لا بل انه سيستفيد من اللحظة الدولية المواتية من أجل إخماد جذوة هذا الانتصار من أجل تحقيق أهدافه المعروفة سلفا، والتي ظهرت بوضوح في كل مواقفه حيال التسوية اللبنانية والانقلاب على ما تحقق في الطائف. وربما يكون في ذلك إرضاء لنفسه من الشعور بالهزيمة نتيجة فشله في تحقيق أهدافه عندما أغرق البلاد في واحدة من أكثر دوامات العنف التي كادت تذهب بلبنان الى التقسيم الفعلي عندما اغتصب السلطة وعطل الانتخابات الرئاسية العام .1988 والجميع يذكر عبارته المشهورة يوم بدأ الهجوم على قصر بعبدا لإخراجه منه إذ قال "حلقوا لنا على الناشف... قبل أن نحرز انتصارا بسيطا". يغيب عن بال هؤلاء ان المقاومة في لبنان لم تعد خيارا فرديا أو فئويا، وهي استطاعت طوال السنوات الماضية ان تفصل وبدقة متناهية بين الداخل والخارج وتعمل بحكمة كبيرة من أجل ترسيخ مشروع وطني عام لاعلاقة له لا من قريب أو بعيد بهويتها أو اكثرية العاملين تحت لوائها، وانما يتصل مباشرة بطبيعة التكوين اللبناني بشموليته. ولذلك رأينا كيف التف الناس حولها ومن جميع الطوائف العام 1996 عندما اعتدت "إسرائيل" على لبنان وارتكبت مجزرة قانا، وكيف كانت النسوة من كل الطوائف يتبرعن بحليهن من أجل دعمها. ورأينا كيف ان المقاومة في العام 2000 لم تغرق في مستنقع محاسبة العملاء ولم ترتكب أي عملية ثأر في تلك المرحلة. وهذا الأمر هو الذي جعل منها الأمل الذي يراهن عليه الجميع في لبنان باستثناء قلة قليلة من المراهنين على الخارج في سبيل تحقيق أهداف مرحلية لا تتعدى تحسين المواقع الانتخابية، أو أولئك الذين لا يرون السيادة اللبنانية إلا من زاوية واحدة، أما السيادة المستباحة إسرائيليا فلا يتحدثون عنها مطلقا، بل انهم يحاولون تبرير الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان!

صحيح ان الانسحاب السوري من لبنان أصبح أمرا ملحا سوريا ولبنانيا، إلا ان ربط هذا الانسحاب بالمقاومة كما حدث عندما زل لسان رئيس الحكومة اللبنانية عمر كرامي في المؤتمر الصحافي الذي عقده اخيرا وقال فيه: "من يسحب سلاح حزب الله اذا انسحب الجيش السوري من لبنان؟" يعتبر مبررا للدعوات المشبوهة التي تطلق من قبل أصحاب الرؤوس الحامية في المعارضة اللبنانية. فإذا كان رئيس الحكومة يقول ذلك ماذا ستقول القوى المتربصة بلبنان؟ هذا هو السؤال الواجب الاجابة عليه وبسرعة في هذه المرحلة الحساسة في المنطقة ككل وليس في لبنان فقط

العدد 909 - الأربعاء 02 مارس 2005م الموافق 21 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً