من المعلوم أن دول مجلس التعاون الخليجي لديها علاقات تاريخية طويلة مع الهند، خصوصا في المجال التجاري، وقد وصلت هذه العلاقات إلى مراحل متطورة ساهمت في توطين الكثير من النخب الاقتصادية الهندية في بلدان مجلس التعاون. إلا أنه مع تطور النشاط الاقتصادي في دول المجلس تدافع الملايين من الهنود للعمل في مجتمعات الخليج. ومن هنا بدأ المدخل، وأصبح للهند نفوذ ديمغرافي واضح من الصعوبة بمكان معالجته داخل دول المجلس. ومع تزايد أعداد الهنود التي تقدر الآن بالملايين أصبحت قضية الوجود الهندي مهمة للغاية، خصوصا إذا قمنا بالتعرف على الآثار السياسية والأمنية التي يمكن أن يؤثر فيها هذا الوجود خلال الفترة المقبلة. هناك خطران رئيسيان يترتبان على تزايد النفوذ الهندي في دول مجلس التعاون، أولهما: بروز حركة مطالبات سياسية من قبل العمالة الهندية الموجودة في بلدان المجلس، وخصوصا أنها تشكل نحو 10 في المئة من سكان الخليج، وهي نسبة عالية للغاية، إذ يقدر عدد الهنود في بلدان المجلس بـ 3,318,000 نسمة. ومن هنا فإن النفوذ الهندي قد يشكل عقبة كبيرة أمام قيام بلدان المجلس بإصلاحات سياسية، ويمكن الإشارة إلى النظام السياسي الإماراتي كنموذج لهذه المعضلة، ففي الوقت الذي تطالب فيه النخب الأكاديمية الإماراتية بإجراء انتخابات للمجلس الوطني الاتحادي يجد النظام نفسه أمام مأزق يتمثل في وجود ما يقارب مليون هندي قد يطالبون بحقوق سياسية كونهم يشكلون 27 في المئة من إجمالي السكان، وهي إشكالية مشابهة لما واجهته ماليزيا عندما انفصلت عنها سنغافورة بعد فترة من خلال حق تقرير المصير. أما الخطورة الثانية لتزايد النفوذ الهندي في الخليج فتظهر في تبني نيودلهي استراتيجية عسكرية جديدة تقوم على تأمين مصالح الهند وحماية المواطنين الهنود في الخارج، وقد أعلن عنها في منتصف العام الماضي .2004 وبموجب هذه الاستراتيجية ستسعى الهند إلى تطوير قدراتها العسكرية لتصبح قادرة على إرسال قواتها المتنامية في مهمات إلى الخارج، ومن ضمن المناطق التي ستصبح من مراكز الاهتمام للاستراتيجية العسكرية الهندية الجديدة منطقة الخليج، لوجود بضعة ملايين من المواطنين الهنود، ولوجود مصدر ثلثي احتياجات الهند من الطاقة في هذه المنطقة المهمة. ولإدراك حجم القدرات العسكرية الهندية التي من الممكن أن يكون لها نفوذ في المنطقة - كما هو الحال بالنسبة إلى النفوذ الأميركي - يمكن الإشارة إلى أن الهند تنوي بناء وشراء 24 غواصة نووية قادرة على إطلاق صواريخ باليستية "يمكن أن تحمل رؤوسا نووية"، بالإضافة إلى مساعيها لبناء حاملة للطائرات وعدد من الفرقاطات وكاسحات الألغام وسفن الإنزال. وستقوم نيودلهي في وقت لاحق هذا العام 2005 بتدشين أول غواصة نووية من إنتاج هندي. ويشير بعض الخبراء الاستراتيجيين إلى أن الهند تقوم حاليا ببناء أول حاملة طائرات من إنتاجها الوطني، ويتوقع أن تصبح جاهزة خلال العام .2012 وبهذه الاستراتيجية فإنه من المتوقع أن تصبح الهند أحد الأطراف الفاعلة في النظام الإقليمي الخليجي، وتصبح طرفا مؤثرا في أمن الخليج. وبذلك قد تكون مصدرا من مصادر عدم الاستقرار الداخلي والإقليمي لبلدان مجلس التعاون. وللحديث صلة
العدد 908 - الثلثاء 01 مارس 2005م الموافق 20 محرم 1426هـ