"طلقت المآتم النسائية بالثلاث". .. عبارة قرأتها في عمود للزميلة زينب عبدالنبي، أردت تكرارها اليوم لأضم صوتي إلى صوتها وإن اختلفت الأسباب ووجهات النظر. ولا أشكك أبدا في أن هناك مئات الأصوات التي قد تضم إلى صوتينا ولربما شكلنا في النهاية "جمعية مقاطعة المآتم النسائية"!
فعوضا عن الأسلوب التقليدي - الذي بات كأنه قرآن منزل في "بعض" المآتم إلى درجة إن حادت القارئة يمينا أو يسارا أو جددت في الأسلوب فقط لا المعلومة هددت بالويل والثبور وعظائم الأمور ويا ويلها من ألسن إن نطقت ما سكتت أبدا حتى ليضيع معها التفاعل الوجداني والشعور الروحاني بعظم الرزية - قد تشب في هذه المآتم معارك قد تكون معلنة أو في الخفاء بين القارئات وكأنهن في مبارزة للفوز بغنيمة القراءة أكثر... ولا أعلم إن كان ذلك حبا في الحسين وآل بيته أم تمسكا بعرش القارئة الأوحد الذي لا يتسع لاثنتين؟!
وإن نأينا عن تلك المآتم التقليدية التي لها صاحباتها من السن نفسه تقريبا واللاتي يصعب علينا تجديد روحانياتهن لتمسكهن بالطابع القديم وإن رحل القوم عنهن بالعقل والوجدان وهجرتهن "الحفيدات" أو عرجن عليهن للمجاملة فقط لا غير... فإننا إزاء ذلك لا نستطيع أن نصف المآتم الجديدة - التي أخذت تجمع بين البكاء والموعظة - بالكمال، ففيها ما يحز في النفس فعلا حتى لنأسف أننا في مأتم حسيني تحصل فيه كل هذه المهاترات والعصبيات!
فهذه المآتم "الجديدة" التي نستغرب فعلا من العدد الهائل الذي يؤمها طوال الأيام العشرة من محرم، تعج بالنفوس المريضة التي لا هم لها إلا مراقبة فلانة وعلانة وكيف أن تلك كشفت عن قليل من وجهها - ربما لأخذ نفس لا أكثر - ولم تحترم مشاعر الزهراء "ع"! أو كيف يصح للقارئة أن تصدح بصوتها فيسمعها غريمها من الرجال! أو فلانة التي يبدو أنها حاقدة جحود لأنها لم تصرخ بعلو صوتها "يا حسين"! هذا عدا عن المعلومات المغلوطة التي لا يمكن أن يقبلها عقل، ولكنها تستغل الموسم أيما استغلال لدس "أخطائها" في نفوس تاقت لمعرفة ما وراء الواقعة بعد أن تشبعت بمعرفة الواقعة نفسها... كل ذلك غيض من فيض مما يحصل في المآتم وأستغرب من هؤلاء الراصدات كيف يحافظن على الذهاب إلى مآتم معينة وبصورة يومية وعقلهن رافض تماما لقبول الفكر والناس والقارئة وربما المكان أيضا؟!
ولا أعلم إن كانت الأمور نفسها أو غيرها تحدث في مآتم الرجال، ولكني حاولت - بما يسمح لي - نقل صورة عشتها بنفسي وشاركتني فيها أخريات - ولا أريد أن أعمم - وكم أشعر برضا ذاتي حينما اتخذت ركنا قد يكون بعيدا عن مجتمع ما فتئ "يرغي" بتوافه الأمور وأعقدها واستمعت لمقرئ "عاقل" استطاع الولوج إلى عقلي ووجداني معا، فما شعرت إلا بازدياد قربي من "الحسين" وآله وبما أرادنا "الحسين" أن نتعلمه في الوقت الذي وقفنا فيه عند القشور وتباهينا أننا حسينيون لدمعة سكبت أو لرجل سارت نحو مآتم العزاء لأنه مفروض عليها ذلك أو لطلب مثوبة ترفع عنا إثم ضلالة ما فات من أيام ليس إلا
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 905 - السبت 26 فبراير 2005م الموافق 17 محرم 1426هـ