العدد 905 - السبت 26 فبراير 2005م الموافق 17 محرم 1426هـ

منازعات الوقف الذري بين القضاء المدني والشرعي

عبدالله محمد الفردان comments [at] alwasatnews.com

الوقف الذري هو ما يوقف على الورثة وعلى ذريتهم من بعدهم، ويكون الوقف أعيانا أو غلة أو مرتبات أو أسهما، وإذا كان الوقف على الذرية مرتب الطبقات لا يحجب أصل فرعه، ومن مات صرف ما يستحقه إلى فرعه، ولا تنقرض قسمة ربع الوقف بانقراض أية طبقة، ويستمر ما آل للفرع متنقلا في فروعه أي أنه إذا لم يوجد أحد في طبقته صرف الريع إلى الطبقة التي تليها إلى أن يوجد أحد من أهل تلك الطبقة فيعود الاستحقاق إليها.

والوقف لا ينشأ إلا بقرار من الحاكم الشرعي، وإن ما تتحصل عليه إدارة الأوقاف مقابل إدارتها 10 في المئة والباقي يصرف للمستحقين.

وللوقف الذري في مملكة البحرين منازعات بين القانون المدني والشرعي وهذا ما جعل الناس تتجه إلى المحاكم الشرعية أو المدنية في منازعاتهم للوقف الذري، وتصدر أحكام متعارضة بين تلك الجهتين القضائيتين المدنية والشرعية، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد رفع بعض المستحقين للوقف الذري دعواهم أمام المحاكم المدنية بطلب إيصال وقف ذري وإعطائهم بدل وثيقة عقارية على أن تكون بأسمائهم طبقا للفريضة الشرعية وصدر الحكم ابتدائيا واستئنافيا وتمييزا برفض الدعوى وجاء في وقائع وأسباب حكم التمييز في الطعن رقم 200/2003 الصادر في 12 ابريل /نيسان 2004م أن الموضوع يتعلق بقطعة أرض بحرية، اشتراها جد الطاعنين وسجلها وقفا على أولاده، وعلى ذريتهم من بعدهم نسلا بعد نسل، وقالت محكمة التمييز في أسباب حكمها: "إن الأرض موضوع النزاع قد خرجت عن ملك الواقف فلا تعتبر تركة عنه، ولا تنتقل ملكيتها إلى ورثته". وبالنتيجة قضت محكمة التمييز بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وبإلزام الطاعنين بالمصروفات ومصادرة الكفالة.

وتقدم ورثة آخرون بالموضوع نفسه والطلب المذكور إلى المحكمة الكبرى الشرعية في دعوى رقم 14/91/236/3 وكان الثابت في لائحة دعواهم أنهم يطلبون فسخ الوقف الذري، وتسليمهم أصل الوثيقة العقارية، وتسجيل العقار بأسمائهم طبقا لفريضتهم الشرعية، ونظرت المحكمة الشرعية الموضوع، وقضت بتاريخ 12 يناير/كانون الثاني 1994م بهذا المنطوق الحرفي: "فالمحكمة حكمت بحل الوقف موضوع الدعوى لما ذكرناه، ويقسم بينهم بحسب الفريضة الشرعية رقم 16 /1402هـ وتلزم المدعى عليها الأولى بتسليم الوثيقة الأصلية إلى المدعين، وتلزم المدعى عليها الثانية بتسجيله للمدعين بموجب الفريضة الشرعية المذكورة، وبذلك تكون الدعوى منتهية وحسمت". وجاء في أسباب حكمها: "الوثيقة لدى المدعى عليها الأولى ليس قبضا إلا إذا حصل الموقف الولاية على الوقف للمدعى عليها فقبضها حينئذ قبض للموقوف عليهم، وهذا الأمر لم يتم".

ونحن نسأل، من الجهة المختصة في نظر هذه الدعوى؟ هل هي المحكمة المدنية أم المحكمة الشرعية؟ وأية جهة يكون حكمها عين الصواب فيما قضي به، المحكمة المدنية أم المحكمة الشرعية؟ وإلى متى ينتهي هذا الاختلاف في الاختصاص؟ ومن المسئول عن هذا الاختلاف ونتائجه؟ ومن المسئول عن حقوق الناس الشرعية والمدنية في ظل هذه الأوضاع والأحكام، ألا ترون معي أيها القراء، ان المنازعات اليوم في الأحكام هي أشد من المنازعات بالأيدي وضرب الأعناق؟ ومن جانب آخر فالملاحظ أن السلف يوقف عقاره على ذريته من بعده إلا أن الخلف يتقدم من بعده بطلب ببطلان وقفه، فما هو السبب؟ وما الغاية من ذلك؟ الحقيقة التي ندركها، أن الوقف الذري ليس كالأوقاف الأخرى مثل الوقف على الخيرات وغيره، وإنما يحتاج إلى ضوابط وإجراءات وشروط أولية كالقبض والإقباض لم تستكملها إدارة الأوقاف ربما لانشغالها وعجزها عن الاتيان بها أو لعدم معرفتها بها مسبقا، وليس لديها الاستعداد للسؤال عنها ممن يعملون لديها ويعرفونها، فتمضي السنوات على بقائها من دون استكمالها فيموت الموقف، ويكون من مصلحة ورثته طلب بطلان الوقفية ليتقاسمونها إرثا، ويتصرفون كيفما شاءوا حماية وأمانا لهم من تقلبات الظروف الاقتصادية والمعيشية، لكنه خلاف ما قصده الموقف في حياته صاحب الحق الأصيل انطلاقا من القاعدة الشرعية "الناس مسلطون على أموالهم" ولا يجبرون للتنازل عنها سواء للصالح أو الطالح، والإدارات السابقة قد فرطت في هذا الحق، فلم تحفظ وديعته بما أؤتمنت به لتبقى عونا وسندا لأولاده وذريته نسلا عن نسل وطبقة عن طبقة كما رأى ذلك الموقف، كما أن إدارة الأوقاف قد فرطت في حفظ الحق العام الموكلة به شرعا ووظيفة مقابل الإدارة والإشراف، وفوتت هذه الخدمة المستدمية بواقع 10 في المئة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها كل ذلك بسبب سوء التدبير، والإهمال والتقصير وعدم إدراك النواقص والضوابط والإجراءات والشروط المطلوبة لحفظ المال العام.

إن هذا الموضوع ليس إلا لمجرد التنبيه، والتحذير لما يجب أن يكون مستقبلا، انطلاقا من الواجب الديني والاجتماعي، والكمال لله تعالى وبه نستعين.

محام بحريني

العدد 905 - السبت 26 فبراير 2005م الموافق 17 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً