انتهى "لقاء القمتين" الروسية - الأميركية إلى تفوق كاسح لمصلحة برنامج الرئيس جورج بوش الهجومي. فالفارق الشاسع في الارتفاع بين القمتين يفسر إلى حد كبير تطاول الرئيس الأميركي على السياسة الروسية وانتقاداته المباشرة والعلنية لسلوك الكرملين في الأمور المتعلقة بتلك المفردات كالشفافية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
بكل بساطة نجح الرئيس الأميركي في استدراج الرئيس فلاديمير بوتين إلى برنامجه أو على الأقل استطاع احتواء المخاوف الروسية بشأن الأمن القومي من خلال طرح خطة ثنائية لمكافحة "الإرهاب" ومحاربة "الاستبداد". فالرئيس بوتين لم تكن لديه مسودة مشروع مضاد أو سلسلة أفكار واضحة للرد أو على الأقل للدفاع عما تبقى من أوراق تمتلكها موسكو. فالوضوح في الرؤية قابله الغموض أو الارتباك في التعاطي مع متغيرات جغرافية - سياسية قلبت موازين القوى على طول الحدود الروسية من غرب الصين إلى أوكرانيا. وهذا الارتباك شجع بوش على الإعلان عن قرب انضمام بيلاروسيا "روسيا البيضاء" إلى المعسكر الديمقراطي. ويعني الأمر أن واشنطن تخطط إلى تجريد موسكو من ورقتها الأخيرة وهي تلك الدولة التي كانت تعتبر من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.
ضعف روسيا كما ظهر من "لقاء القمتين" أكبر بكثير من كل التوقعات. الضعف كما يبدو لا قعر له إذ كلما تنازلت موسكو اشتد الضغط عليها لتقديم المزيد من التنازلات. وهذا من الأمور التي يجب أن يلاحظها كل أصدقاء الكرملين أو ما تبقى من مراهنين على دور خاص ومختلف يمكن أن تلعبه موسكو في سياسة الممانعة ضد الهجوم الأميركي. فالتوقعات أقرب إلى التمنيات وكل التحليلات فشلت حتى الآن في فهم ذاك الضعف الروسي الذي يتزايد بنيويا على رغم محاولات الرئيس بوتين الدفع إلى الأعلى واستعادة أجزاء بسيطة من ذاك الدور المفقود.
عاد بوش إذا منتصرا إلى واشنطن أو على الأقل عاد وهو مطمئن إلى ضعف روسيا وعدم قدرتها على التحرك خارج الدائرة التي رسمتها الولايات المتحدة. كذلك عاد بعد أن نجح في ترتيب علاقات أميركا مع الاتحاد الأوروبي تحت سقف مشترك احتوى كل تلك التوترات التي عاصرت ولايته الأولى. فبوش الآن أقوى بكثير وتبدو ولايته الثانية أكثر تماسكا ووضوحا.
أما بوتين فقد عاد إلى موسكو "بخفي حنين" أو أنه اعطى أكثر مما أخذ، وما أخذه هو مجرد وعود مقابل وعود. والفارق بين الوعدين أن وعود بوتين تفيد بوش في سياسته الهجومية أما وعود بوش فإنها لا تفيد بوتين في سياسته الدفاعية. فالكلام عن مكافحة "الإرهاب" وعزل "محور الشر" ومنع إيران وكوريا الشمالية من امتلاك أسلحة نووية هو موضوع يصب مباشرة في قلب المشروع الهجومي والاستراتيجية الأميركية بينما لا ناقة لروسيا ولا جمل في المسألة. فبوش أراد من اللقاء أخذ تعهد روسي بعدم التدخل وأخذه، وأراد ضمان موقف موسكو وتحييدها ويبدو أن بوتين قدم له ما يريد في هذا المجال.
المقصود من "لقاء القمتين" تحييد موسكو وضمان عدم إقدام الكرملين على لعب دور غير محسوب يعطل المشروع الأميركي أو يخفف من حدة اندفاعه الهجومي. وهذا يبدو أن واشنطن نجحت في انتزاعه إذ رفعت الغطاء الروسي عن البرنامجين النوويين الإيراني والكوري. والفارق بين البرنامجين أن الأول وهمي ويحتاج إلى سنوات بينما الثاني حقيقي لأن كوريا أعلنت صراحة امتلاكها السلاح النووي.
التراجع الروسي في هذا المجال كشف الموقع الإيراني لأن واشنطن غير مهتمة كثيرا بتطويق كوريا بقدر اهتمامها بتطويق إيران. فإيران لاتزال هي الهدف الأول لأن واشنطن تربط وجودها في "الشرق الأوسط" بمسألتين الأولى ضمان أمن "إسرائيل" والثانية اضعاف الدول المركزية "الإقليمية" وعزلها على الأقل، وربما تقويضها على الأكثر.
الورقة الإيرانية كانت مهمة لروسيا لأن موسكو معنية مباشرة بالبرنامج النووي لإنتاج الطاقة السلمية وهي الطرف المشرف على تطويره وحمايته وضمانته دوليا. إلا أن دفاع بوتين عن تلك الورقة لم يكن في المستوى المطلوب وخصوصا أن بوش ربط ذاك المشروع بالأمن الاستراتيجي للولايات المتحدة ومسألة مكافحة "الإرهاب".
هذا الضعف في التفاوض يستوجب بعض الانتظار لمعرفة حدود التنازلات التي قدمتها موسكو لواشنطن في هذا المجال. إلا أن نهاية مجموع "لقاء القمتين" كانت لصالح بوش. فالفارق الكبير في الارتفاع بين القمتين كان أعلى من كل التوقعات
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 904 - الجمعة 25 فبراير 2005م الموافق 16 محرم 1426هـ