يقول خبراء ومدافعون عن الحريات المدنية في الولايات المتحدة ان تعيين جون نغروبونتي مديرا للمخابرات القومية دليل على أن الرئيس الأميركي جورج بوش يعزز قدرة حكومته على تضليل الكونغرس والدوس على الحريات المدنية. وقال المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إيه" راي ماكغفرن إن ترشيح نغروبونتي يؤكد اتجاها مظلما للمخابرات الأميركية.
وكان بوش عين البرتو غونزاليس وزيرا للعدل، وهو المستشار القانوني السابق للرئيس بوش منذ كان حاكما لولاية تكساس، الذي وضع مذكرة تبرر للرئيس بوش تجاهل ليس فقط مواثيق جنيف ولكن أيضا قانون جرائم الحرب الأميركي وإيجاد ما وصفه بـ "أساس متميز في القانون من شأنه أن يوفر دفاعا قويا عن أية مقاضاة في المستقبل"، كما تم تعيين مايكل تشيرتوف وزيرا للأمن الداخلي، وهو ابن لحاخام يهودي، ومحامي تجاهل اعتقال 762 من المهاجرين المسلمين ومعظمهم من العرب والباكستانيين وإبقائهم في السجون كـ "مشتبه فيهم كإرهابيين" لعدة شهور.
أما السفير نغروبونتي فهو كما يقول ماكغفرن، معروف منذ عمله في هندوراس بأنه يمتلك قدرة هائلة على تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان حتى لا يهدد تأييد الكونغرس لمحاولة الإطاحة بحكومة الساندينستا المنتخبة في نيكاراغوا في الثمانينات من القرن الماضي. وكانت وظيفة نغروبونتي الإبقاء على تأييد حكومة الرئيس السابق رونالد ريغان لمتمردي الكونترا وإبقاء الكونغرس في الظلام كما تقتضيه الحال.
وتشمل حكومة بوش أيضا على إليوت أبرامز وحاشيته، وهو تم ترقيته إلى منصب نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، وكان في الثمانينات مساعدا لوزير الخارجية الأميركي لشئون أميركا اللاتينية، إذ أدين في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1991 بالكذب على الكونغرس بشأن الدعم غير القانوني للكونترا. ونجا أبرامز من السجن بعفو رئاسي من جورج بوش الأب قبل انتهاء ولايته في العام ،1991 وأعاد بوش الابن الاعتبار لأبرامز عندما عينه في ديسمبر/ كانون الأول 2002 مديرا للشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي وهو منصب لا يحتاج إلى تصديق الكونغرس.
ويعتقد على نطاق واسع أن أبرامز ساهم في إقناع الرئيس بوش على ترشيح "شريكه" السابق في دعم الكونترا على تولي منصب مدير المخابرات القومية بعد أن نال رضا المحافظين الجدد في حكومة بوش.
ويرى ماكغفرن انه بتعيين هؤلاء الثلاثة فإن الحريات المدنية مهددة وهي بحسب قوله "على كف عفريت" ويقول "إن السلطة المتزايدة التي ستكون لنغروبونتي بموجب قانون إصلاح المخابرات يجعل الوضع مقلقا بصورة أكثر". ويشير إلى أن الشيء المهم بالنسبة إلى فشل المخابرات هو الإدراك بأن المذنب هنا هو فشل القيادة وليس هيكلية المخابرات. وقال إنه عمل تحت قيادة تسعة مدرين لـ "السي آي ايه" وإن كل ما كان يحتاج إليه الأمر قائدا قويا متماسكا وشجاعا يشعر بأنه بحاجة إلى أن يكون لاعبا مع الفريق، إضافة إلى رئيس يدعمه إذا دعت الضرورة.
ويشير ماكغفرن أيضا إلى أن الـ "سي آي ايه" ومكتب التحقيقات الفيدرالي "اف بي آي" منفصلان وكيانان متميزان لسبب وجيه هو أولا وأخيرا حماية الحريات المدنية، ولكن الآن وبموجب قانون إصلاح المخابرات، فإن مدير المخابرات القومية سيكون مشرفا ليس فقط على كل الـ "سي آي ايه" التي يعتبر العاملون فيها ماهرين في انتهاك القوانين الأجنبية، بل أيضا جزءا رئيسيا من الـ "إف بي آي" التي يدرب موظفوها بعناية على عدم انتهاك الحماية الدستورية، وإلا فإنهم يتجاوزون الدستور، ولهذا السبب فإن موظفي الـ "إف بي آي" في غوانتنامو قدموا تقارير بالانتهاكات التي شاهدوها.
وقال ماكغفرن إن المتقدمين في السن الذين يتذكرون حرب فيتنام وعملية كوينتلبرو "عملية التجسس التي قام بها مكتب التحقيقات الفيدرالي في الفترة من 1996 - 1971 على المنظمات السياسية والنقابية اليسارية في الولايات المتحدة" لديهم ذاكرة حية لما يمكن أن يحدث عندما يتم التعمية على سلطة وتفسير القانون ويعطي لمن يوصفون بالوطنيين الكبار تفويضا أو سلطة مطلقة لملاحقة المواطنين المعارضين وخصوصا في زمن الحرب.
ويشير ماكغفرن إلى أن سجل نغروبونتي يعزز الانطباع إلى أنه سيختار الاندماج مع التيار السائد المتشدد المهيمن في حكومة بوش، إذ كانت تقارير ذكرت أنه خلال عمله كسفير في بغداد حاول عرقلة برقيات مرسلة من مدير محطة الـ "سي آي ايه" في العراق تنقل صورة غير ودية عن الوضع هناك
العدد 903 - الخميس 24 فبراير 2005م الموافق 15 محرم 1426هـ