العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ

واشنطن تستغل اغتيال الحريري لتقويض الحكم السوري

أمنة القرى comments [at] alwasatnews.com

.

واصلت الصحف الأميركية رصد تداعيات اغتيال الحريري ملاحظة الحشود اللبنانية التي شاركت في مأتمه والشعارات المعادية للوجود السوري التي رفعت، معتبرة أن الوحدة اللبنانية بخير.

لكن الملاحظ أن إحدى كبريات الصحف الأميركية استبعدت "والحمد لله" بل اعتبرت انه من المستحيل أن تندلع الحرب من جديد في لبنان لأن هذا الأمر - كما تقول - يحتاج إلى قوى إقليمية بمن فيها "إسرائيل" وإيران وسورية، تقوم بتزويد وكلائها في لبنان بالسلاح والمال. وهذه الدول تبدو اليوم قليلة جدا. غير أن الصحف الأميركية سجلت أيضا ان الولايات المتحدة تكثف جهودها من أجل اتخاذ خطوات عقابية ضد دمشق بدءا بتجميد أرصدة وصولا إلى تعميق العزلة الدبلوماسية من أجل إجبار دمشق على سحب قواتها من لبنان ووقف ما وصفته بدعم المتمردين العراقيين، مستغلة الآن الغضب العالمي على اغتيال الحريري من أجل الضغط على نظام الرئيس بشار الأسد.

في حين أوردت "كريستشان ساينس مونيتور"، ان الدعوات ترتفع في لبنان لاستقالة الحكومة اللبنانية وانسحاب القوات السورية. من جهة أخرى اهتمت وسائل الإعلام الأميركية بالتطور اللافت على الصعيد الإيراني السوري من حيث إعلان دمشق وطهران عن إقامة جبهة مشتركة التي اعتبرتها مصادر أميركية بأنها ليست بالأمر الجديد. والملاحظ ان المبعوث الخاص السابق إلى الشرق الأوسط دنيس روس في حديث لتلفزيون "فوكس نيوز" ضمن فقرة ئ خم جىم الذي وجه أيضا أصابع الاتهام إلى سورية، استبعد أن يلعب "حزب الله" لعبة إيرانية يكون لها أثر تدميري على لبنان، كما استبعد أن تنجح سورية في وضع الحزب في مواجهة مع لبنان.

ونشرت مجلة "فورين ريبورت" تقريرا عن اغتيال الحريري وتداعياته. فاستهلت التقرير بوصف ردة الفعل السورية ورأت أن دمشق كالعادة تنتظر وتأمل بأن تمر العاصفة من دون أضرار. واعتبرت أن سحب السفيرة الأميركية هو بمثابة اتهام أميركي غير مباشر لسورية بالضلوع بقتل الحريري. لكنها لاحظت أيضا انه على رغم أن واشنطن لم توجه بعد اتهاما مباشرا ضد سورية، فإنها لا تنفك تشدد على ضرورة الانسحاب الفوري للقوات السورية من لبنان. ورأت ان سورية فقدت السيطرة، إذ يتضح يوما بعد يوم إن لا حاجة لوجود القوات السورية في لبنان بعد الآن.

واعتبرت ان الأدلة التي تثبت أن سورية تقف وراء اغتيال الحريري واضحة جدا، إذ سبق لها واغتالت الكثير من المسئولين اللبنانيين، كما ان العبوة والخطة لتفجير موكب الحريري تفوقان قدرات أية مجموعة صغيرة. ولفتت في هذا السياق إلى أن سورية تشعر أكثر فأكثر بخطورة التهديد الذي ساقته المعارضة لها إثر الاغتيال. وذكرت أن الحريري كان على رأس المعارضة، مشددة على ان سورية لطالما هددت مسئولين لبنانيين.

وكشفت "فورين ريبورت" عن معلومات موثوقة تشير إلى ان الحريري تلقى قبل اغتياله تهديدات من سورية، في حين أن دمشق بدورها تلقت تحذيرات عدة "لم تحدد مصادرها" لعدم القيام بهذا الأمر. وأعربت عن خشيتها من أن تكون ردة الفعل الدولية على حادثة اغتيال الحريري، هي بمعاقبة لبنان لكونه رهينة سورية. كما أعربت عن مخاوفها من التدخل الدولي في التحقيق، مذكرة بأن التاريخ في لبنان أثبت ان التدخل الدولي يؤدي في معظم الأحيان إلى كوارث رهيبة ما يفسر عدم تأييد بعض القوى السياسية في المنطقة طلب الرئيس الفرنسي جاك شيراك بفتح تحقيق دولي.

ونشر توماس فريدمان في "نيويورك تايمز" مقالا تحت عنوان "قواعد حماه" في إشارة منه إلى القصف الذي تعرضت له مدينة حماه السورية في العام 1982 على يد النظام الذي أدى إلى دفن ما بين عشرة إلى عشرين ألف سوري تحت الأنقاض على حد توضيحه. واستهل المقال زاعما انه التقى قبل أسبوعين أحد أصدقاء الحريري وأبلغه رسالة من الأخير. وكانت الرسالة تتضمن بحسب فريدمان، توضيحا من الحريري بأن المعارضة اللبنانية "للاحتلال" السوري بدأت تتوحد، وأن الحريري يخطط لاستخدام الانتخابات البرلمانية المقبلة والانتصار الذي يتمناه لجبهة المعارضة من أجل التأكيد للسوريين بأن الوقت حان ليخرجوا من لبنان.

وتابع فريدمان، ان صديق الحريري أكد له انه لم يعد هناك من مبرر لمواصلة "الاحتلال" السوري، وإذا كانت الحكومة الأميركية مهتمة بالديمقراطية في العالم العربي فعلى الولايات المتحدة أن تدعم أولئك الذين يحاولون إنقاذ لبنان من "براثن" السوريين.

وانتقل فريدمان، بعد هذه المقدمة إلى عملية الاغتيال ومن يقف وراءها. فأشار إلى انه من الصعب إثبات الجهة التي قتلت رفيق الحريري، غير انه أكد ان من وصفها بالعصابة التي تحكم سورية لديها القدرة والخبرة والدافع لاغتيال رجل السياسة اللبناني بسبب تعاونه مع باريس وواشنطن لتمرير القرار .1559 مضيفا ان الحريري ضغط من أجل إقرار الـ 1559 واستقال من منصبه بعد أن قامت سورية بتقويض الدستور اللبناني من خلال إجبار البرلمان على التمديد للرئيس إميل لحود الذي وصفه بالدمية السورية.

وزعم انه عندما يشعر النظام السوري بأنه في مأزق يلجأ إلى ما وصفها "قواعد حماه" لافتا إلى ان اغتيال الحريري يحمل مواصفات "قواعد حماه" بدءا بالــ 650 كلغ من الديناميت لتفجير موكب مصفح. ورأى ان الرسالة التي أرادت دمشق توجيهها إلى باريس وواشنطن تؤكد ان النظام السوري مستعد لاستخدام "قواعد حماه" إذا استمرت الدولتان في الضغط على سورية من الشرق من خلال العراق ومن الغرب عبر المعارضة اللبنانية. وتساءل ما الذي بإمكان اللبنانيين أن يفعلوه أيضا؟ فدعا الشعب اللبناني إلى الوحدة ومواجهة النظام السوري باللجوء إلى "قواعد بغداد" التي بلورها العراقيون قبل عشرة أيام "في إشارة إلى الانتخابات العراقية".

وأوضح أن قواعد بغداد تعني أن يقوم الجمهور العربي بخطوة لا سابق لها، كأن ينزل إلى الشارع على رغم العنف ويعبر عن إرادته. مؤكدا أن ما من شيء يدفع دكتاتورية مثل سورية إلى الجنون أكثر من العصيان المدني وقول الحقيقة، أي أن يتوقف الناس عن الخوف ويتمردوا على "محتليهم".

وجاءت رسالة سكوت ولسون في "واشنطن بوست" من بيروت تحت عنوان "اللبنانيون يدفنون رئيس وزرائهم السابق في مشهد نادر للوحدة". ولفت إلى أن مئات الآلاف من اللبنانيين مشوا في شوارع بيروت في احتفال عكس وحدة شعبية لا سابق لها وغضبا عميقا ضد من توجهت أصابع الاتهام إليهما أي حكومتا لبنان وسورية.

وأشار إلى انه بغض النظر عما إذا كانت سورية هي المسئولة فإن اغتيال الحريري تسبب بصدمة كبيرة للمعارضة اللبنانية في الوقت الذي يستعد فيه لبنان للانتخابات النيابية. لافتا إلى ان الحريري كان يخطط للعودة إلى رئاسة الحكومة بعد أن عزز صلاته بالأطراف التي تشكل جبهة معارضة للحكومة اللبنانية الموالية لسورية. من ناحية أخرى أكد انه على رغم الانقسامات التي يشهدها لبنان، فإنه من المستحيل أن تندلع الحرب من جديد لأن هذا الأمر يحتاج إلى دعم قوى إقليمية بمن فيها "إسرائيل" وإيران وسورية، تقوم بتزويد وكلائها في لبنان بالسلاح والمال. مشيرا إلى ان الدول التي تبدو مستعدة لدعم الفصائل اللبنانية بالطريقة نفسها كما كان خلال الحرب الأهلية تبدو اليوم قليلة جدا.

وأشارت "واشنطن بوست" إلى انه بعد عقود من التوتر مع سورية، تكثف الولايات المتحدة جهودها من أجل اتخاذ خطوات عقابية ضد دمشق وأضافت ان واشنطن تستغل الآن الغضب العالمي من اغتيال الحريري من أجل الضغط على نظام الرئيس الأسد.

وأشارت إلى ان الولايات المتحدة تعمل بشكل وثيق مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، كاشفة استنادا إلى مسئول أميركي رفض الكشف عن اسمه، ان مسألة التعامل مع سورية ستتصدر أولويات اللقاء الذي سيجمع جورج بوش بنظيره الفرنسي الاثنين المقبل. ولفت المسئول إلى أن الأميركيين والفرنسيين يتخذون الموقف ذاته من دمشق، وان المجتمع الدولي يرغب أن يشهد تحركا تجاه سورية. وكشف ستفين وايزمن في "نيويورك تايمز" استنادا إلى مسئولين أميركيين وأوروبيين انه في ظل اتساع الفوضى والتوتر في لبنان والشرق الأوسط، تعمل إدارة بوش على إقناع الحكومات الأوروبية لإدراج "حزب الله" على لائحة المنظمات "الإرهابية".

وزعم ان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبلغ مسئولين أميركيين وأوروبيين انه يعتبر "حزب الله" قوة تدميرية في الشرق الأوسط ترغب في تقويض محادثات السلام من خلال دعم المجموعات التي تهاجم الإسرائيليين. كما لفت إلى أن المعارضة الأوروبية لهذا الإجراء ليست موحدة، إذ ان هولندا وإيطاليا وبولندا تؤيد موقف إدارة بوش، بينما تقف ألمانيا وغيرها من الدول وراء ممانعة فرنسا على حد تعبيره

العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً