العدد 896 - الخميس 17 فبراير 2005م الموافق 08 محرم 1426هـ

محرم الحرام عبر وذكريات

علي يوسف المتروك comments [at] alwasatnews.com

رجل اعمال كويتي

استقبل العالم الإسلامي العام الهجري الجديد وفيه هلت ذكرى هجرة رسول الله "ص" من موطنه مكة إلى المدينة المنورة، وكانت هذه الهجرة المباركة بداية عهد جديد للإسلام والمسلمين وانطلاقة رائدة لانتشار الدعوة وترسيخها في الجزيرة العربية، حاول مشركوا قريش بكل الوسائل أن يئدوا هذه الدعوة، ولكن الله أبى إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، ولو أن المشركين من بني قومه لبوا دعوته بدافع العصبية ووشائج القربى لرأيت من يقول ان المنافع والروابط القبلية هي التي ساندت هذه الدعوة وليس الإيمان والتصديق كانا الدافعين لنجاحها، وحتى تقوم هذه الدعوة بعيدا عن كل هذه الشبهات هيأ الله لها من يقوم بها من خارج مكة وعلى أيدي أناس من خارج قبيلة قريش وهم قبيلتا الأوس والخزرج، لينهضا بها ثم يدخل الرسول "ص" مكة دخول الفاتحين تحت راية الإسلام وبعيدا عن أي مؤثرات أخرى وليرغم قريش على الاذعان والتسليم للأمر الواقع.

وسبقت هذه الهجرة، أي هجرة النبي إلى المدينة، هجرة المسلمين بقيادة جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى: "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة...". "النساء: 100"، وانفتح المسلمون في هذه الهجرة على المسيحيين في الحبشة وكانت فرصة سانحة لشرح مبادئ الإسلام ونقاط التقائه مع المسيحية، ما أفشل مساعي المشركين في استرجاعهم إلى مكة بقيادة عمرو بن العاص موفد المشركين لتلك المهمة، وحتى يومنا هذا فإن هجرة المسلمين لبلاد الغرب انطوت على منافع كبيرة حققها أولئك المهاجرون للتعريف بمبادئ الإسلام والمثل العليا التي يشتمل عليها ذلك الدين، لولا تطرف بعض الفئات التي أساءت إلى أولئك المهاجرين وإلى الدين على حد سواء، فأعطوا صورة مشوهة بأن الدين الإسلامي دين عنف وإرهاب، فضاعت على المسلمين فرص الحرية المتاحة في تلك المجتمعات الغربية لنشر العقيدة الإسلامية الصافية.

عندما نزلت الآية الكريمة: "إنك ميت وإنهم ميتون". "الزمر: 30"، كان الإسلام والمسلمون في أمس الحاجة إلى نبيهم "ص"، ولكن اقتضت حكمة الله أن يقبض نبيه إليه ليبين للناس أن هذا الدين واستمراره ليس مرهونا بشخص حتى ولو كان نبيه المرسل والداعي إليه، ومر على الإسلام خلفاء وأئمة وولاة وقادة وبقي الإسلام الدين الخالد يستوعب بسماحته وعظمته حتى غير أبنائه، وبين الثابت والمتغير في هذا الدين وبين التسامح والانغلاق يبقى هذا الدين مشروعا حضاريا يمتد بامتداد الحياة، وقد تفهم الأجيال المقبلة ما استعصى علينا وعلى من قبلنا فهمه من هذا الدين، ويبقى كتاب الله الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه الضمانة الخالدة والملاذ الوحيد الذي لا تنتهي عجائبه ولا تنضب غرائبه.

ان المسلم يقرأ القرآن طوال حياته، وليجرب من يقرأ هذا القران فإنه يمر بآيات في بعض الأحيان، فيتصور أنه لم يقرأها من قبل فيأخذه العجب والغرابة، وليس هناك من عجب، إنها معاجز القرآن فهو غض يختزل الزمن ويتجدد على مر العصور ليواكب متغيرات الحياة، بل ليتقدم عليها وهو الذي تكفل الله بحفظه، فقال سبحانه وتعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". "الحجر: 9".

إن القرآن يحدد مسار الدعوة بالتسامح بقوله تعالى: "وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". "النحل: 125". ولا ينزع صفة الإيمان حتى بين المتقاتلين من أبنائه لقوله سبحانه وتعالى: "وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله". "الحجرات: 10". وهكذا نجد أن القرآن الكريم لم ينزع صفة الإيمان عن كلتا الطائفتين الباغية والمعتدى عليها.

وفي آية أخرى نقرأ في هذا السفر الخالد "وإلى ثمود أخاهم صالحا". "هود: 61". فإذا سأل أحدهم كيف يجمع القرآن بالإخاء بين الكافرين من قوم صالح ونبيهم؟ قيل نعم، إنه أخوهم بالإنسانية، فساعد الله الإسلام على بعض أبنائه الذي يطلقون النار على إخوانهم وأبناء وطنهم ويصيحون الله أكبر، وكأنهم يقاتلون في معركة أحد أو بدر الكبرى مع نبيهم ثم يجدون من يبرر لهم هذا العمل الشنيع، فأي تعسف في تفسير هذا الدين وقلب ساحته الرحبة إلى تشنج وانغلاق وكل ذلك باسم الدين والدين من كل هذا براء.

وفي العاشر من هذا الشهر المحرم، تمر ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي "ع" في معركة كربلاء، هذه المعركة الدامية التي ألقت بظلالها على ما تلاها من حوادث وتقلبات، فشكلت منعطفا خطيرا في العالم الإسلامي حين فجع المسلمون سنة الستين من الهجرة بقتل حفيد رسول الله وأهل بيته وإخوته وأصحابه، وعلى رغم فداحة هذا المصاب تجد من يقول ان الحسين شق عصا المسلمين بنهضته، مع أن الحسين "ع" لم يبايع يزيد بن معاوية حتى يكون شق عصا المسلمين بخروجه، والذي يراجع ويطلع على صلح الإمام الحسن مع معاوية بن أبي سفيان، يجد أن الخلافة بعد معاوية ترجع إلى الإمام الحسن، كما نص عليه ذلك الصلح ومع غياب الإمام الحسن وموت معاوية يكون الحسين هو من يتولى الخلافة من بعده وهذا بالضبط ما حصل فما ان امتنع الحسين عن البيعة حتى تطلع المسلمون إلى نهضته حين أعلن قائلا ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا وإنما خرجت طلبا للإصلاح في أمة جدي محمد أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بالحق فالله أولى بالحق ومن رد علي فأصبر حتى يحكم الله والله خير الحاكمين.

إن موت معاوية خلف فراغا في العالم الإسلامي كان من الممكن أن يسده الحسين بدعوته ونهضته ولكن كانت للقدر كلمة أخرى بين تقاعس أهل الكوفة وأموال الحاكمين ما ساعدا على إجهاض تلك النهضة، وفوت على العالم الإسلامي ما كان يمكن أن يغير وجه التاريخ ويوفر على المسلمين الكثير من المآسي والمحن.

وقف الحسين يوم عاشوراء يخطب في تلك الجموع التي احتشدت لقتاله قائلا: "ألا وان الدعي ابن الدعي "ويقصد عبيدالله ابن زياد والي الكوفة" قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات من الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وأنوف حمية ونفوس أبية وحجور طابت وطهرت من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ألا واني زاحف مصبحا غدا مع هذه العصبة مع قلة العدد وخذلان الناصر".

وعلى رغم ما واجهه الحسين "ع" من محن ومواقف حرجة تذيب الصخر الأصم وتزعزع همم الرجال فإن الحسين لم يدع على أعدائه إلا حين برز ولده علي الأكبر وكان عمره لا يتجاوز عشرين عاما فقد وقف يودعه وأخذ منه التأثر مأخذا عظيما والدمع يملأ عينيه قائلا: "اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا بنبيك محمد وكنا إذا اشتقنا إلى النظر إلى وجه نبيك نظرنا إليه اللهم مزقهم تمزيقا وفرقهم تفريقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترضي الولاة عنهم أبدا" ثم التفت إلى قائد الجيش عمر بن سعد قائلا: "يا عمر قطعت رحمي قطع الله رحمك وسلط الله عليك من يذبحك على فراشك" وفعلا ما مرت الأيام إلا وقد تحقق ذلك الدعاء.

إن من يقرأ كتاب "مقتل الحسين" وما جرى من حوادث يوم عاشوراء يقف مليا أمام الحوارات التي جرت بين أصحاب الحسين وتفانيهم في محبته والذود عنه وبين أولئك الذين أصروا بلا أدنى رحمة أو مروءة على قتله وسبي عياله. وتبقى هذه المعركة أو فلنقل هذه الملحمة شاهدا على أن للحرية ثمنا وان المبادئ السامية لا تقبل المساومة أو التنازلات ويبقى الحسين في موقفه المتميز علما باسقا من أعلام الحرية والشهادة وليحتل أعلى المراتب في سجل الخالدين.

فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم قال فيه رسول الله "ص": "حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا".

نقلت لنا الأنباء عن مجلس أعلى أقامته مملكة البحرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية وشكلت لجنة لهذا الغرض من كبار العلماء من الطرفين ولا نملك في الحقيقة إلا أن نبارك هذه الخطوة البناءة، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المنزل "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" "آل عمران: 103" ومن سياق هذه الآية فقد نهانا عن الفرقة ولم ينهنا عن الاختلاف فالاختلاف سنة من سنن الحياة وإذا حسنت النية بين المسلمين سنتهم وشيعتهم فإن هناك قواسم مشتركة عدة يتفقون عليها وخصوصا ان الثوابت الإسلامية التي نصت عليها الشريعة الغراء واحدة ونحن في أمس الحاجة إلى التآلف والتكاتف تحقيقا للسلم الاجتماعي في أوطاننا ومجتمعاتنا بحيث لا تعتقد فئة أنها تملك الحقيقة كلها وغيرها لا يملك إلا الفراغ. لعلنا في غمرة هذا الضياع والتخبط نجد خيطا من نور يهدينا إلى وسطية الإسلام وسماحته ويبعدنا عن تلك الموروثات التي سلمنا بصحتها والتي نجني اليوم من حصادها المر والمتلفع بالتطرف والتزمت الذي نعاني منه أشد المعاناة، كما أتمنى ألا يقتصر عمل وجهد هذه اللجنة على مملكة البحرين وشعب البحرين فقط بل أن يشمل جميع الشعوب الإسلامية التي هي في أمس الحاجة إلى وحدة الكلمة ورفع كلمة الله بصوت واحد وموحد

إقرأ أيضا لـ "علي يوسف المتروك"

العدد 896 - الخميس 17 فبراير 2005م الموافق 08 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً