العدد 895 - الأربعاء 16 فبراير 2005م الموافق 07 محرم 1426هـ

اغتيال الحريري... الظاهرة... والاستثناء

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

"أنا قومي عربي منذ عشرات السنين ولن. .. ألجأ إلى تغيير قناعاتي الآن في عمر الستين".

بمثل هذا "الاستثناء" في الدلالات المتوقعة منه، كسياسي كبير، ورجل أعمال نابغ، وقائد لكتلة "قرار لبنان" ورئيس لوزراء حكومات متعددة، متباينة في ولاءاتها. كانت إجابته على أسئلة صحيفة "السفير"، التي نشرت يوم أمس، بعض ما صرح به لها الراحل رفيق الحريري... بينما بيروت تغلي هي والكثير من المدن اللبنانية، رافضا التشكيك - في الوقت ذاته - في خياراته السياسية والحياتية المعلنة.

اغتيال الحريري، الرجل الظاهرة، مثل الاستثناء في لبنان اليوم، فقد اتفق الجميع على أن عهد وزمن الاغتيالات السياسية، كان قد ولى... فما الذي حصل؟! وما الوقائع والحوادث، التي مهدت لهذا الحل - الاغتيال بمفهومه السياسي المباشر؟!

لماذا الحريري بالذات؟

هل لأنه ظاهرة لبنانية وعربية ودولية في العمل السياسي والاقتصادي والإنساني؟ أم لأن المطلوب اغتيال لبنان بعده؟

ظاهرة الحريري توازي ظاهرة اغتياله، كاستثناء مرحلي، سيعيد صب الزيت على نار بيروت المغلقة... وسيصبح حلم استمرار ودوام اكبر عملية إعمار وبناء في تاريخ بلد الحريري، علاقة فارغة لأي مشارك في حكم وسلطة الدولة اللبنانية... لأن إعادة إعمار لبنان، وتحديدا وسط العاصمة "بيروت"، كان إشكالا صعبا، بل ومستحيلا، في ظل موات سياسي واقتصادي وعدوان مستمر من "إسرائيل"، عدا عن الوجود السوري في لبنان وتداعيات خروج هذا الوجود بعد القرار الدولي المدوي .1559

ما كان على الحريري الا أن يستثمر علاقاته - الظاهرة، ويعمل على الاستثناء الكبير بتشجيع بناء لبنان الوطن، العرب، الإنسانية على رغم انف الجميع... وربما كان يسعده - أي الحريري - أن يترك السياسة لصالح إعمار لبنان... إلا أن نفوذه حمله إلى أبعد من ذلك في تداعيات سياسية واقتصادية وحضارية دولية وعربية في آن واحد. الاستثناء، المستهجن، أن يتم اغتيال الحريري، وهو على طريق دعم قوة لبنان الإقليمية والدولية، ناصبا نفسه لصالح الإنسان ولبنان الأرض والوجود، متحديا فروقات الوضع السياسي والطائفي في هذه البلد. والواضح أن اجندة الجهة، الجماعة، أو الدولة، أو القرار الذي أدى إلى اغتيال الحريري، كانت أن تموت سيرته السياسية والإنسانية، التي جعلته يعيد صورة لبنان، وخصوصا بعد ويلات متصلة منذ الاجتياح العدواني الصهيوني الإسرائيلي للعام 1982 والخروج الفلسطيني من بيروت، وبروز هذا الرجل كعلاقة تنوير مختلف عليها في سبيل لبنان الإنسان العربي، بالسعي إلى وقف ويلات وآثار الحرب الاهلية اللبنانية، فكان أن مهد الطريق، مع رجالات لبنان الكبار الى مؤتمر لوزان العام ،1984 وتاليا مؤتمر الطائف، العام ،1989 ما جعل لبنان يحقق الوفاق الوطني والطائفي الذي انهى الحرب وجعل الطريق ممهدة له كسياسي بارز اختار العمل السياسي في بلد صعب المراس، وفي ظل حكومات عانت من تداخل الخيار اللبناني "المسار السياسي والوطني" مع الخيار السوري وأحيانا الفلسطيني، وفي ظروف لاحقة، خيارات الضغوط الإقليمية التي أفرزتها حرب الخليج الأولى "1979 الحرب العراقية - الإيرانية" وحرب الخليج الثانية جراء الدخول العراقي إلى الكويت واحتلالها العام .1990 وأخيرا، الركود السياسي وتمييع صورة لبنان بعيد حرب الخليج الثالثة والاحتلال الأميركي للعراق.

هذه الحال جعلت ظاهرة الحريري، تغتال استثناء وجوده السياسي، فكان عليه الانحياز إلى المعارضة... وإلى لبنان الذي يجب أن يكتمل مشروعه! فكان السبب الرئيسي وراء اغتياله في ظل عودة الطائفية الخفية ومشروعات الدول الكبرى والتحالفات الاقليمية ضد لبنان... ولبنان الإنسان والأرض أولا.

العصبية السياسية، قد تفرز "حالا معينة" تؤشر إلى "دولة معينة" ربما تكون قد قررت اغتيال رفيق الحريري... لكنه... ها قد أصبح في عداد، لبنان الشهادة والموت... وشهوة السلطة من اجل السلطة واللاشيء... ومن هنا... فإن الاستثناء... أن يبقى الحريري، وأن تبقى المعارضة... من دون مواجهة مقبلة وفتنة ربما يدفع ثمنها استقرار هذا البلد... وجواره الجغرافي والإقليمي أيضا

العدد 895 - الأربعاء 16 فبراير 2005م الموافق 07 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً