المثل الشعبي القائل: "من يده في النار، ليس كمثل من يده في الماء"، يتطابق تماما مع ما رافق نتائج الاعتصام الذي نفذته لجنة العريضة النسائية أمام مبنى وزارة العدل "السبت 5 فبراير/ شباط 2005"، فمن شاركن في ذلك الاعتصام وهن الغارقات إلى أخمص أقدامهن في النيران المشتعلة في بيوتاتهن يطلقن الصرخات قائلات: "لم أحصل على الأوراق الثبوتية لطلاقي الذي تم منذ 10 سنوات، وما أزال أعيش في بيت طليقي مع أبنائي ولم يقسم المنزل، ولم يتم إلزامه بالنفقة، وتعرضت للشتم من طليقي في قاعة المحكمة وأمام القاضي، ولم يؤخذ حقي، فأي قضاء هذا"، "أم طلال".
وتصرح "ص.ع" بأن قضية طلاقها لاتزال عالقة منذ ثلاث سنوات، وأنه ثبت للقضاة وبالوثائق الرسمية أنها متضررة وعقد زواجها باطل بسبب الغش والتواطؤ، ومع هذا يتركون زوجها يساومها على مبالغ خيالية إذ اعتبروا طلب انفصالها "خلعا"، وقال لها أحد القضاة: إذا لم تسكتي فسنزيد عليك المبلغ، ويساومونها على حق حضانة ابنتها. أما الشابة ذات الـ 26 عاما، فقد طلبت الطلاق لأن زوجها عقيم، ويلحق بها الأذى الجسدي بالضرب والشتم، كما يستولي على راتبها، وتقول إنه على رغم كل هذه الأضرار يعتبرون طلبها للطلاق "خلعا".
هذه الحالات غيض من فيض صار يتسرب على سطوحنا في عز النهار، بيد أن اللافت هو ما جاء في رد من أيديهن في الماء البارد ولا تلسعهن النيران كالبقية. فهن لم يشاركن في الاعتصامات أو التظاهرات التي يقوم بها ضحايا العنف والقهر من النساء، على رغم ترديدهن الدائم بأن مؤسساتهن تمثل نساء المملكة كافة! وأصر بعضهن على ضرورة تسلم خطابات رسمية تدعوهن إلى وليمة المشاركة في الاعتصامات والاضرابات وتنسيقها، وهذا طبعا لن يحدث إلا بعد إصدار الفتاوى الشرعية التي تبارك تلك المشاركة أو تمنعها. وربما لهذا الرأي أعذاره المفهومة ضمن سياق واقعه الاجتماعي، إذ درج على أن مؤسساته النسوية لا تحرك ساكنا إلا بتلك الأوامر والفتاوى والآراء المتدفقة من مجالس رجال الدين والمفتين الرسميين.
بيد أن الغريب والعجيب كان في تصريحات التقدميات اللواتي يدعين أنهن يدافعن ويناصرن كل قضايا المرأة الحقوقية والسياسية والاجتماعية، ويتبنين شعارات براقة مثل التمكين والمساواة والشراكة، وزيادة نشاط المرأة في الشأن العام، والمطالبة بتحديث القوانين وسنها مثل قانون الأحوال الشخصية وتطبيق الكوتا... إلخ. لكن بعضهن في الوقت ذاته لا يحركن ساكنا ولو قيد أنملة ولن يساندن اعتصامات الضحايا من النساء، التي تكمن مسبباتها أساسا في قضايا الخلع وتعليق إجراءات الطلاق في المحاكم لسنوات طويلة، وحجب النفقة عن الأبناء وسلب الحضانة من الأمهات. كما قلن: لن يساندن الاعتصامات إلا حينما يثبت لهن حجم وأهمية موضوع الاعتصام وقضيته، وما إذا كان هذا الاعتصام يحقق مكسبا أو أنه مرتبط بالزمان والمكان وطبيعة الموضوع، فضلا عن الرأي الذي يريد دراسة جدوى الاعتصام من أساسه. يا جماعة، ماذا تعني هذه الأقوال المترهلة؟ بوضوح الشمس في كبد السماء، تعني ما تعنيه من الاستهتار الذي وصل إليه البعض تجاه دعم ومساندة قضايا وحقوق المرأة البحرينية، كما يفسر الازدواجية والفجوة ما بين القول والتطبيق، والذي مرده راجع إلى ضيق الأفق وسوء التقدير لمطابقة ومواءمة الشعارات والمبادئ التي تأسست عليها الجمعيات النسائية، واستحقت على إثرها لقب الحركة النسائية البحرينية، تلك الشعارات التي تبنتها وشكلت لها طموحا وقضية نضالية قادتها رائدات من الحركة النسائية.
إلى ذلك، نسأل بصراحة، إذا لم تتبن كل الجمعيات النسائية البحرينية قضايا هؤلاء النسوة ودعمهن في اعتصاماتهن واحتجاجاتهن وعرائضهن وإضراباتهن الآن، فمتى ستتفرغ تلك الجمعيات إلى النزول للشوارع وتبني قضايا المرأة ومساندتها والدفاع عنها؟ ثم ما فائدة أكوام أوراق العمل والدراسات والبحوث المتعلقة بتلك القضايا أو التقارير الموازية التي ستقدم إلى الهيئات الدولية، أو الإدلاء بالتصريحات في المنتديات العربية والعالمية، نقول، ما فائدتها إن لم تكن هذه الجمعيات مخلصة وأمينة مع نفسها ومع المجتمع في تجسيد هذه الشعارات على مستوى التطبيق والواقع؟!
والحيرة تتملك النساء من ضحايا العنف، وتدفعهن للسؤال عما سيحدث بعد دراسة الجدوى والأهمية من الاعتصامات النسائية، ويشرن إلى حجم المظاهرات التي قادتها رائدات الحركة النسائية المغربية في الشوارع بهدف المطالبة "بمدونة الأحوال الشخصية"، كما يلفتن الانتباه إلى الخبر المنشور بشأن الإفراج عن ثلاثة رجال أمن بتهمة سرقة ملفات قضائية وتلقي رشا ""الوسط" 7 فبراير 2005"، إذ ماذا يعني هذا الخبر للجميع؟ في غاية البساطة يعني أن هناك فسادا وخللا في الجهاز القضائي، وبالتالي لجنة العريضة محقة كل الحق في مطالبها في البيان الذي وزعته يوم الاعتصام، ومنها المطالبة بإعفاء النائب العام، وبعض القضاة البحرينيين والعرب الذين ينحدر بعضهم من أجهزة ومحكمة أمن الدولة وإعفائهم من مناصبهم واستبعاد المنتمين منهم لتيارات سياسية أصولية متشددة، وإصدار قانون للأحوال الشخصية ورفع التحفظات الواردة على بنود اتفاق إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة "السيداو"، فضلا عن منع القضاة من إبرام عقود الزواج ومنح هذه السلطة جهازا مختصا في وزارة العدل، وإعفاء قاضي المحكمة الصغرى الشرعية الدائرة السنية الغرفة الثالثة من منصبه وإعادة بناء قضاء شرعي على أسس من الكفاءة والاستقلالية.
وعليه، نسأل أولا عما إذا تم الاطلاع على هذه المطالب وقراءتها بعمق؟ ونسأل ثانية، ألم يكافح الجميع طيلة السنوات السابقة من أجل تحقيقها؟ ألم تتم المطالبة بقانون للأحوال الشخصية وإصلاح القضاء؟ إذا ما الذي يبتغيه البعض من الدراسة لأهمية الاعتصامات النسائية وجدواها؟ الجدوى كما نعتقد، أن هذا الصوت المجلجل يعبر عن مدى الغبن والمآسي التي تتعرض لها النساء البحرينيات المعنفات، وهو صوت واضح وقوي، يطالب بالحق والعدل، ومن المفروض مساندته لا انتقاده. إن نتائج هذا الحراك ستتراكم على المدى المنظور وستغير من الواقع وتفرض نفسها، شئنا أم أبينا.
أقول: على الجمعيات النسائية المتفرجة، مغادرة مواقع الظل التي طال زمنها، وإن رغبت في قيادة الجسم النسائي على المستوى المحلي والعالمي، فعليها أولا تجسيد الشعارات التي ترفعها إلى واقع مساندة صادقة وحقيقية لهؤلاء النسوة، وهذا لن يكون إلا بالتواضع والنزول إلى الميادين التي توجد فيها النساء المكتوية أياديهن في النيران. لابد من معايشة النساء وقضائهن ومشاركتهن احتجاجاتهن وإنصافهن، والتوقف عن القسوة عليهن والتواطؤ المقصود وغير المقصود في ترسيخ الأوضاع الحالية، فالثورة الاجتماعية التي يتطلع إليها المجتمع ويحتاجها تستوجب الجرأة وسعة الأفق والتخلي عن الخوف وتغليب المصالح الذاتية على مصلحة المجتمع.
هل قلنا ما يستدعي غضبكن؟ ربما، لكنها الحقيقة... أليس كذلك؟
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 890 - الجمعة 11 فبراير 2005م الموافق 02 محرم 1426هـ