العدد 890 - الجمعة 11 فبراير 2005م الموافق 02 محرم 1426هـ

التراشق باسم الوطنية والديمقراطية والحرية قد يؤدي إلى سقوط القيم

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

ماذا في فلسطين في أجواء قمة شرم الشيخ؟. .. هل استطاع العرب الداعون إليها تقديم مستقبل واضح للفلسطينيين في المسألة السياسية التي هي الأساس في المشكلة منذ الاحتلال الإسرائيلي؟ وهل وقفوا في الموقع التفاوضي كأصحاب للقضية؟ أم أنهم وقفوا كوسطاء لا يملكون أية فاعلية للوساطة؟

لقد كانت القمة أمنية، مع التحفظات الإسرائيلية، والمطالبة بالتعاون مع الرئيس الفلسطيني الجديد في تفكيك المنظمات، كما أنها منحت شارون التطبيع في العلاقات مع مصر والأردن من الناحية الدبلوماسية على مستوى عودة السفيرين، وإعطاء الضوء الأخضر للخليج والمغرب لتعزيز العلاقات مع العدو بشكل أوثق، وليبرز شارون - كما أراده بوش - "رجل سلام" من دون مقابل، لأنه لم يقدم شيئا على مستوى الثوابت الوطنية للفلسطينيين، ولم يعط وعدا بذلك.

إن أميركا - بوش تريد أن تقفز فوق الرفض العربي والإسلامي للسياسة الإسرائيلية في خط الاحتلال، مستغلة ضعفهم السياسي والأمني، ومثيرة لكل بلد منهم مشكلة خاصة لتنصلهم عن القضية الكبرى وتجعلهم في حال استغراق ذاتي في الجزئيات، بعيدا عن الكليات التي تهتز منها المنطقة.

إن المطلوب - أميركيا - هو إسقاط بقايا القوة في العالم العربي والإسلامي، لتبقى أميركا في موقع الضاغط القوي الذي يدفع بهذه القوة إلى الاستسلام من دون قيد أو شرط، على أساس أكثر من حرب حارة كما في العراق، أو حرب نفسية كما في الموقف من إيران، سورية ولبنان، وذلك من أجل تفكيك العلاقات العربية في مواجهة ضغوط العدو، ليحبس كل بلد في دائرته فيسهل فرض الشروط المذلة عليه.

لقد استطاع التحالف الأميركي - الإسرائيلي أن يبعد أكثر العرب عن القضية الفلسطينية على صعيد المشاركة، ليقتربوا من "إسرائيل" بتطويق الانتفاضة الفلسطينية باسم السلام والحل للمشكلة، في الوقت الذي يصرح فيه العدو - ومعه أميركا - بأن الحل النهائي سيبقى في ساحات المتاهات السياسية في زمن لم يأت بعد.

إن وسائل الإعلام الأميركية وغيرها تتحدث عن أكذوبة أسلحة الدمار الشامل التي فضحت الإدارة الأميركية من خلال تقرير المخابرات المركزية، وعن خوف بعض المسئولين من الأكذوبة الجديدة في اتهام سورية وإيران بالإعداد للأسلحة النووية، على رغم النفي المتكرر منهما لذلك.

وهناك حديث آخر عن تطوير الإدارة الأميركية لأسلحة الدمار الشامل النووية، لإيجاد جيل جديد متطور من هذا النوع من الأسلحة بما يشكل الخطر على العالم كله، بالإضافة الى التعاون مع "إسرائيل" في هذا المجال... إنهم يتحدثون - أميركيا وأوروبيا - أن "إسرائيل" دولة منضبطة فلا يشكل سلاحها النووي خطرا على جيرانها، بينما لا تتمتع إيران بذلك، على حد زعمهم، والجميع يعرف أن "إسرائيل" كانت ولاتزال خطرا على المنطقة كلها، لا بل على أمن العالم واستقراره، من خلال عدوانها المتكرر واحتلالها لأكثر من أرض في فلسطين وجوارها، بينما لم تمارس إيران شيئا من ذلك.

إن العالم المستكبر يخطط في تحالفاته السياسية والأمنية والاقتصادية لمحاصرة كل دول العالم الثالث، ولاسيما الدول العربية والإسلامية، حتى لا تأخذ بأسباب القوة على جميع المستويات، وهذا ما نلاحظه في توزيع الأدوار في كل مواقعه من أجل تحقيق هذا الهدف، وفي الحركة السلحفاتية الملتبسة في مفاوضات دول الاتحاد الأوروبي مع إيران بشأن المشروع النووي السلمي، بالتعاون مع السياسة الأميركية المضادة لها... إننا نحذر الشعب الفلسطيني من خلفيات هذه القمة، ومن الخطط التي يتحرك بها أعوان أميركا من العرب والأوروبيين في أكثر من طريقة خداع واحتيال.

ومن الطريف أن الرئيس شيراك - بحسب الإعلام - قد دخل على خط السنة والشيعة، فأعلن أنه "لا يمكنه الوثوق بالشيعة، ولكنه يمكن لـه الوثوق بالسنة"، وتمتد المسألة من خلال السائرين في خطه من اللبنانيين ليتحدثوا عن الخطر الشيعي، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن المسلمين الشيعة ينفتحون على كل الطوائف والتيارات المتنوعة، وأنهم - في كل بلد عاشوا فيه - لا يملكون مشروعا خاصا، ولذلك فإنهم لا يمثلون خطرا على أحد، بل كل ما لديهم أن يعيشوا كمواطنين بما تفرضه المواطنة من الحقوق والواجبات على الجميع بشكل متساو، وإذا كان لهم - في بعض مواقعهم السياسية المختلفة - بعض الآراء أو العلاقات فإنهم لا يختلفون عن الآخرين في ذلك كله، وفي ممارسة حرياتهم في الرأي والموقف السياسي.

إن خطيئة المسلمين الشيعة عند الآخرين هي أنهم حرروا أرض لبنان من الاحتلال ولايزالون في ساحة المقاومة، وأنهم دعموا الشعب الفلسطيني وينطلقون في مواجهة الاستكبار العالمي... إننا نحذر كل الذين يتحدثون بهذه الطريقة، لأنهم لا يخدمون بذلك إلا سلطة الاحتلال في المنطقة كلها.

أما العراق فلايزال ينزف دما طاهرا في كل يوم، من خلال التفجيرات والاغتيالات التي تطال الأبرياء، من دون أن يبادر الاحتلال الى فرض الأمن من خلال قواته المتعددة الجنسيات، بل إننا قد نلاحظ أنه يشجع الكثير من الأوضاع، الأمر الذي يبطل الحديث عن أن انسحابه يغرق البلد بالفوضى، لأننا نلاحظ أن بقاءه هو الذي أغرق العراق بأكثر من نهر من الدم البريء.

إن الاحتلال هو مشكلة الشعب العراقي، وإن الإرهاب الذي يتحرك ضد الأبرياء، ولاسيما من خلال الحقد المذهبي، هو ما يعانيه الناس هناك، وعلى الجميع الاستعداد لمواجهة ذلك كله في حماية عراقهم سياسيا واقتصاديا وأمنيا، ولاسيما أن الإعلام الأميركي تحدث عن سرقة أميركية من قبل الشركات لأموال الشعب العراقي على مستوى المليارات من الدولارات تحت أعمال وهمية للإعمار، مما يخشى منه على أموال العراق.

أما لبنان، فإنه يواجه الفوضى السياسية التي تفتقد الكثير من الواقعية والمواطنية في خط العيش المشترك، لأن الأساليب المتبعة جعلت اللبنانيين فريقين لا يلتقيان على طاولة الحوار في القضايا المصيرية، الأمر الذي جعل الواقع يختزن العمق الطائفي على رغم وجود بعض الأسماء التي يراد لها أن تمنح التجاذب الطائفي ملامح من هذه الجهة أو تلك.

إننا نعتقد أن التراشق بالكلمات الانفعالية باسم الوطنية والديمقراطية والحرية سيسقط هذه القيم على أساس ما قد يطلقه البعض من عنوان كلمة الحق التي يراد بها باطل، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن العقلانية والموضوعية هما اللذان يصلان بالقضية الى شاطئ الأمان، ولاسيما أن البلد يعيش الزلزال الاقتصادي والسياسي في نطاق الهجمة الدولية التي يلجأ إليها بعض اللبنانيين للاستقواء بها على الواقع اللبناني الآخر والواقع العربي، والجميع يعرف أن الاستكبار العالمي يبحث عن مصالحه لا عن مصالح اللبنانيين، وأنه يستخدم لبنان ورقة يلعب بها في الضغط على بلد آخر في نطاق استراتيجيته في الضغط على المنطقة كلها، "واللبيب بالإشارة يفهم"

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 890 - الجمعة 11 فبراير 2005م الموافق 02 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً