لم تكشف تداعيات "تسونامي" عن حجم الخسائر البشرية والمادية فحسب، بل أثارت خوف المدافعين عن حقوق الأطفال من استغلال الوضع الاجتماعي الناتج عن تشرد الكثير من الأطفال وفقدانهم لعوائلهم، وأن يتم الاتجار بهؤلاء الأطفال في تجارة الرقيق الجديدة، والخوف الأكبر أن تتم هذه الممارسة اللامشروعة في بلدان الخليج العربي السوق الكبير للعمالة الآسيوية، ويقدر البرنامج الدولي للقضاء على عمل الأطفال بأن ضحايا الاتجار في كل عام مليون ونصف المليون طفل.
معارضة عمل الأطفال ليست معارضة للعمل الشريف، لكنها ضد حرمان الأطفال من حقوقهم الأساسية وضد سلبهم لأحلى مراحل حياتهم وضد حرمانهم من الرعاية المناسبة والتعليم المناسب، فظاهرة استغلال الأطفال في العمل وخصوصا أولئك الذين يعانون من العوز والفقر أو من لا يجدون من يكفلهم أو يعينهم تظهر الأنياب الحادة للاقتصاد والوجه البشع منه الذي لا يعير الانتباه في بعض الأحيان إلى الجوانب الإنسانية ويهتم فقط بالجانب المادي.
في عالمنا اليوم 2 مليار طفل، ويعتقد أن هناك 250 مليون طفل يعملون حول العالم محرومون من خدمات التعليم والصحة وذلك حسب ما تشير إليه أرقام منظمة العمل الدولية، ويتركز غالبيتهم في دول العالم الثالث، وتظهر أرقام المنظمة الأطفال العاملين كخدم منازل يبلغ عددهم عشرة ملايين طفل تنال منها الفتيات النصيب الأكبر.
وتفضيل الأطفال للعمل في المهن المختلفة يعود إلى قلة أجورهم وتحملهم لساعات عمل طويلة قد لا تقبل بها فئات سنية أخرى، وعدم تمتعهم بحقوق شرعية أو قانونية مقابل ما يلاقيه العمال الذين بلغوا السن القانونية للعمل، بل الأدهى من ذلك هو استغلال هذه العمالة في أعمال لا مشروعة وغير أخلاقية، فكثير من سماسرة الرقيق الأبيض يستهدف هذه الشريحة الضعيفة في بيعهم لأسواق البغاء خصوصا من أوربا الشرقية نتيجة تدني الوضع الاقتصادي.
وتستتر هذه الصناعة تحت مظلات كثيرة منها عمليات تبني الأطفال التي أتخذت منحى متطورا من خلال توظيف الإنترنت في إنشاء مزادات لعمليات شراء وبيع الأطفال، إذ إن هناك الكثير من العائلات تتنازل عن حق الأبوة والأمومة مقابل حفنة من الدولارات قد تصل في بعض الأحيان إلى 50 أو 150 دولار أميركي فقط!!
وتقدر اليونسيف أن هناك 50 طلبا لكل طفل يعرض للبيع من البلاد النامية المختلفة، ويكشف هذا الرقم مدى أزدهار هذه التجارة التي لم تجد ما يقفها إلى الآن.
وسعت الكثير من الدول والمنظمات لإنهاء عمل الأطفال بجميع أشكاله ففي مؤتمر العمل الدولي الذي عقد في العام 1999 اعتمد اتفاقية وتوصية جديدتين للحد من أسوأ أشكال عمل الأطفال إذ تحدد أسوأ استغلال الأطفال ما دون الثامنة عشرة من عمرهم بجميع أشكال الرق والممارسات الشبيهة بالرق، كبيع الأطفال والاتجار بهم وعبودية الدين والعمل والتجنيد القسري أو الإجباري للأطفال لاستخدامهم في صراعات مسلحة أو في أعمال الدعارة أو لإنتاج أعمال إباحية أو أداء عروض إباحية اضافة إلى استخدام طفل أو تشغيله أو عرضه لمزاولة أنشطة غير مشروعة مثل إنتاج المخدرات والاتجار بها، وكذلك الأعمال التي يرجح ان تؤدي إلى الإضرار بصحة الأطفال أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي.
قد تعتقد بعض الدول أن الاستغناء عن عمالة الأطفال يحرمها من مداخيل مهمة ولكن هذه النظرة يبين خطأها الدراسة التي أجراها البرنامج الدولي للقضاء على عمل الأطفال المعروفة بـ "أيبك" إذ تشير هذه الدراسة إلى أن كل سنة إضافية يقضيها الطفل في المدرسة لغاية سن 14 فقط تزيد من الإيرادات المستقبلية بنسبة 11 في المئة، وهذا سيحقق مكاسب عالمية تصل إلى 5 تريليون دولار فهل يستحق الأمر فعلا؟!
تظهر الأرقام والحقائق السابقة حاجتنا الملحة لاستحداث تشريعات وقوانين فعالة في ردع مثل هذه التجارة باللحوم الآدمية، ليس ذلك فحسب بل يجب أن تهتم الحكومات بتطبيق هذه القوانين وأن تتعدى مجالس التشريع والإدارات لنراها على أرض الواقع، فإلزامية التعليم، وكفالة الأيتام ودعم الدور المخصصة لذلك، ووضع سياسة واضحة وصارمة لعمليات التبني في إطار قانوني سليم، ومراقبة الحدود بشكل فعال لضمان عدم تهريب الأطفال، وتطوير المدارس كل ذلك إذا ما وجد التعاون من الشركات ورجال الأعمال سيساهم بلا ريب في الحد من هذه الظاهرة التي تؤثر سلبا على اقتصاداتنا
إقرأ أيضا لـ "علي الفردان"العدد 888 - الأربعاء 09 فبراير 2005م الموافق 29 ذي الحجة 1425هـ