يبدو أن مشهد ضعف أداء أعضاء المجالس البلدية، وربما فشل مشروع المجالس البلدية، بسبب تداخل الاختصاصات والمهمات المناطة بكل من المجالس البلدية ووزارة شئون البلديات، إلى جانب حاجة قانون المجالس البلدية الحالي للكثير من الجوانب التي تحتاج إلى تطوير وتعديل، فمازلنا نتذكر منظر كل من رؤساء المجالس البلدية مع وزير شئون البلديات السابق في محاولة كل طرف أن يرمي الكرة في ملعب الآخر، إلى أن تم استبدال الوزير حديثا في محاولة من القيادة السياسية العليا حل الأزمة والمساهمة في فتح الطريق أمام هذا المشروع اليافع في تحقيق النجاح، كل تلك الاسباب اجتمعت إلى جانب الكثير من الأسباب التي ربما لا يسعنا الحديث عنها، القت بظلالها الكثيف على تجربة المجالس البلدية، لذلك قد توصف التجربة بأنها غير مكللة بالنجاح.
لذلك يمكننا القول إنه لمن حسن الطالع عدم توافر فرص نجاح المرشحات في المجالس البلدية في الدورة الأولى، لأنه لو نجحت المرأة في تلك الدورة وواجهت الكثير من الصعوبات كما يواجهه الرجل الآن لقيل إنه راجع بطبيعة الحال إلى ضعف الامكانات والاستعدادات لدى المرأة، وتم تأكيد عدم صمود المرأة في العمل البلدي بسبب عدم كفاءتها وعدم قدرتها على تحمل مهمات العمل البلدي، ولكننا الآن ونحن بعيدون عن التجربة وباعتبارنا مراقبين للعمل البلدي نجد أن هناك الكثير من الاخفاقات قد تعود بعضها إلى تداخل الصلاحيات والاختصاصات وقد تعود بعضها الآخر إلى حداثة التجربة إلى جانب رجوع بعضها إلى ضعف أداء مرشحي العمل البلدي وضعف امكاناتهم واستعدادتهم.
وهذا بدوره يصعب من إمكان حضور المرأة في العمل البلدي في الدورات القادمة إذ إن العمل البلدي بحاجة إلى مهارات قد تكون غير متوافرة لدى المرأة أو أن الرجل على أي حال متوافرة فيه بدرجة أكبر وبالتالي إذا كان الرجل المؤهل لذلك العمل لم يتمكن من إحراز نجاحات، فهل بإمكان المرأة التي لايزال المجتمع لغاية الآن مهيأ بالقدر الكافي لأن يختارها كممثلة له في العمل البلدي أن تحقق نجاحات وإحراز تقدم ملموس، وهل أن المرأة لو قدر لها ونجحت في العمل البلدي سيكون أداؤها أفضل بكثير من أداء الرجل المكلف الآن بذلك العمل؟ وهل تمتلك المرأة لمهارات تفاوضية تتميز على أخيها الرجل؟
أسئلة كثيرة ربما تخطر على البال لاسيما إذا كان المرء يحاول أن يناقش موضوع كهذا بعضها تأخذ صفة الموضوعية وبعضها يركز على الجانب الفلسفي من الموضوع ذاته، فالمعروف عن المرأة وهذا ما أثبتته الدراسات بأنها تتميز بالالتزام العالي والانتظام وبالانتاجية المرتفعة وبحسن المتابعة والتنسيق، وبالتالي نحتاج لمثل تلك الخصائص لعضو المجلس البلدي.
نحن نقدر الوضع النفسي والاجتماعي الذي يحيط بعضو المجلس البلدي في الوقت الراهن خصوصا أنه لم يتمكن من الايفاء بـ 10 في المئة من برنامجه الانتخابي الذي يمثل الدستور العقدي بينه وبين ناخبيه "قاعدته الشعبية"، وقد يشعر بالحرج والحياء أحيانا وبالاحباط واليأس أحيانا أخرى، ويكون الحرج أكبر إذا ما علم بأن الجماهير لا تعرف بأي حال من الأحوال تذليل الأمور أو مراعاة خصوصية العمل، وكل ما يعرفونه في الواقع أن بينهم وبين عضو المجلس البلدي تفاهمات مشتركة قبل العملية الانتخابية، وبالتالي مطالبة العضو البلدي بالايفاء بالالتزامات والوعود التي أخذها على نفسه، فيجد عضو المجلس البلدي نفسه محاصرة وما بين نارين بمعنى آخر بين المطرقة والسندان فهو غير قادر على تحقيق الوعود بسبب القيود المفروضة عليه من قبل قانون البلديات وعدم وضوح مهمات عضو المجلس البلدي، وبين قاعدته الشعبية والتي تهدده بأنها لن تعيد انتخابه مجددا، وتؤكد أنها لن تعود لتنتخب ممثلا لها في الدورة القادمة بسبب ما عانوه من تجاهل وتقصير في الدورة الحالية، وبالتالي لا يجد أمامه سوى اللجوء إلى الصحافة، والتصريح عن البرامج والنشاطات الخدماتية التي سوف وسوف وسوف يعمل على إنجازها في الفترة المقبلة.
أيضا حال عضو المجلس البلدي لا يقل احباطا عن ناخبيه وهو أيضا يؤكد أنه لن يرشح نفسه مجددا للمجالس البلدية في الدورة القادمة كما أنه لا يؤمن بمشروع المجالس البلدية، ويؤكد أن قانون البلديات قد وضعه في ورطة كبيرة مع قاعدته الشعبية وبالتالي يشعرون بأن الدورة القادمة ستكون ربما أصعب بكثير من الدورة الأولى ويؤكدون أن عملية إقبال الناس على المشروع ذاته سيكون أضعف ليس فقط من قبل الناخبين وإنما من قبل المرشحين أيضا.
وأتعجب من موقف الحكومة من مشروع المجالس البلدية على رغم أنه يعد مشروع جلالة الملك وأن الجمعيات السياسية قاطبة قد شاركت فيه على رغم حداثة التجربة وعدم توافر الوقت الكافي للاستعداد له الا أنها رحبت بالمشروع وتفاعلت معه الا أننا نجد الحكومة لا تقابل التفاعل الا بالتجاهل المطلق وبالتالي يؤثر ذلك سلبا على المشروع برمته، وهناك من المراقبين ما يؤكدون أن هناك نية مبيتة لافشال المشروع لأن "الوفاق" شاركت فيه بثقلها وقد تمكنت من حصد ثلثي المقاعد بواقع 22 مقعدا من أصل 50 مقعدا وحصدت أيضا رئاسة ثلاثة مجالس بلدية هي العاصمة والشمالية والوسطى، وبالتالي فإن نجاح المشروع يعني قوة أداء "الوفاق" وأن فشل المشروع يعني ضعف أداء "الوفاق"، وهذا ربما ما تحاول الحكومة اثباته
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 887 - الثلثاء 08 فبراير 2005م الموافق 28 ذي الحجة 1425هـ