منذ ساعات الصباح الأولى يتوسم شيخ طاعن في السن أحد الحيطان المتردهة في زاوية من زوايا السوق القديمة في المنامة الذي قيل أن لجانا عدة تعمل لإعادة بنائها من جديد.
تراه يتخايل بأثوابه الناصعة البياض التي لا تنم عن فقر مدقع... يبدأ مسيرة الوصول إلى محلته الصغيرة منذ تباشير الفجر، يخرج من إحدى القرى الشمالية في "نقل عام" تارة، لكنه في أكثر الأيام "عابر سبيل". يصل باكرا جدا إلى "السوق" ليمضي "ساعة أنس" في القهوة القديمة يقضي غالبيتها في أكل "الباجة" "طبخة شعبية قديمة في إقليم الخليج"، ولعل المفارقة أن أحداث هذا الإقليم وخصوصا ما يجري الآن من نوازل عظام في بلاد ما بين النهرين هي السائدة على "دردشة" هؤلاء المسنين.
في أحيان كثيرة يعلو الصراخ من واجهة هذا المقهى الشعبي بفعل الحماس و"روح المكابرة" التي يفترض أنها تزرع في نفوس الشباب لا الشيبة.
"أميركا محررة... أميركا مستعمرة"... إنه أمر قد يثير الضحك والتهكم قبل الولوج في أي شأن آخر، فما الذي سيدخل في جيوب هؤلاء المسنين والمعدمين اقتصاديا لو كانت واشنطن محررة أم مستعمرة؟
على مشارف الثامنة صباحا ينفض هذا المجلس العتيد ويغادر صاحبنا، ويعود أقرانه كل منهم الى زاويته، يخرجون من "قهوة أبوفرج" ويتركون خلفهم كؤوس"روب" وطاسات "نخي" ورائحة "الباجة" تفوح من أثوابهم. يخرجون إلى أعمالهم المتواضعة وهم يحملون أملا كبيرا يتضح جليا وهم يرددون "على بابك يا كريم"!
ما بين "لجنة تطوير السوق" وأحلام هذا الشيخ الكبير وأترابه تتوزع الأماني وتختلف المقاصد لكن الأمل يبقى هو الثمرة المشتركة في كلا المشهدين
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 886 - الإثنين 07 فبراير 2005م الموافق 27 ذي الحجة 1425هـ