قضى الرجل أكثر من خمسين عاما يبحث عن زهرة الخلود. لم يترك مكانا من الأرض الا وذهب اليه. كان ينهب الأرض نهبا ويسافر آناء الليل وأطراف النهار بحثا عن تلك الجوهرة العظيمة التي تهبه مزيدا ومزيدا من الحياة. كان يطرق الأبواب ويسأل الأهالي والأصحاب والجيران ويقطع الجبال والوديان ليقابل أولئك الذين اعتزلوا الحياة وانصرفوا الى ربهم طالبا منهم زهرة الخلود.
قابل يوما مجموعة من العلماء في طريقهم الى أحد الأمراء يبدو عليهم الوقار ويلفهم الضعف والوهن سألهم بعد أن أثارت استغرابه تلك الكتب العظيمة الضخامة وهي محملة على ظهور الدواب عن قصدهم فقالوا إننا ذاهبون الى الأمير لأنه طلب منا أن نأتي له بسر الخلود. لمعت عيناه من الفرح، أمل أن يصغي اليهم ويعرف زهرة الخلود. رحل الى الأمير سلم عليه وشرح طلبته فأجلسه إلى جانبه وعندما مثل العلماء أما الأمير قالوا له يا مولاي إن زهرة الخلود موجودة بين هذه الكتب فاقرأها فنظر الى الكتب باستغراب وقال: أنا لا أملك الوقت الكافي لكي أقرأ كل هذه الكتب. قالوا: لا حول لنا ولا قوة لنا اذا. خرج الباحث عن زهرة الخلود حزينا مكسور الخاطر، كيف أنه حتى هذه اللحظة لم يحصل على زهرة الخلود. انتبذ مكانا قصيا وجلس الى جذع شجرة وقد أعياه التعب ولأول مرة يشعر بنفسه وثيابه ممزقة وحاله رثة فتساقطت الدموع من عينيه ورفع رأسه الى السماء طالبا من الله سبحانه أن يهبه زهرة الخلود. عندها سمع زقزقة عصفور على الشجرة وسمع العصفور يقول لأفراخه: طالما أنا على قيد الحياة فإن زهرة الخلود التي أودعها قلبي ستكون في قلوبكم. عندها ضحك الباحث عن زهرة الخلود... لقد أدرك أن زهرة الخلود في قلبه المتقد بالايمان بالحياة والعمل
العدد 883 - الجمعة 04 فبراير 2005م الموافق 24 ذي الحجة 1425هـ