اللهم إني استجير بك حيث لا مجير غيرك. وألوذ بك حيث لا ملاذ إلا بك. اللهم إني أسألك العفو إن تجاوزت مقامي وطلبت ما لا يحق لي به. إني أسألك يا رب العزة باسمي واسم 30 ألف مواطن عاطل عن العمل في دولة الإمارات "إحصائية وزارة العمل"، و578 مواطنا ذهبوا ضحايا حوادث السير في سلطنة عمان "إحصائية إدارة المرور"، و563 سعوديا يموتون كل سنة على الطرق العامة "إحصائية وزارة الداخلية"، و400 بحريني يموتون ما بين إطارات السيارات الأميركية أو بالكحول المصنع في بواخر ترسو قريبا من مياه البحر العربي بعيدا عن رقابة وزارة الصحة "إحصائية وزارة الداخلية"، ومئات الأطفال العراقيين يموتون تحت نيران قوات الاحتلال "لم تصدر إحصائية رسمية لعدم وجود حكومة". ربي إني أسألك باسم هؤلاء أن تنعم على كل شعوبنا بالسلام والأمان وزيادة الإنجاب حتى نعوض ما فات.
اللهم إني عبدك ومطيعك، منحتني عقلا أتدبر فيه شئون نفسي، وفكرا أتملى من خلاله عظمة هذا الكون وحركته، ولكن هذا العقل الذي مازال يتقصمني، مازال قاصرا عن فهم ما يدور حولي، إنه يفترش لي كل ليلة بساطا من الأسئلة يضعه أمامي، يبعد النوم عني ويؤرقني حتى يكاد يورثني الجنون في زمن لا يحتاج البعض منا إلى ذلك، ففي داخله ألف عفريت مشاكس. وفي كل ليلة يرمي هذا البساط الملعون علي هذه الأسئلة، يطرحها أمامي ويجعلني بين "حانة ومانة"، كما يقولون.
يقول البساط: "لي عائلة تعدادها نصف مليون مواطن في دولة تسمى دولة الإمارت. أنعم الله عليها بنعمة البترول وجعلها لا تحتاج إلا خبرة الآخرين في مجال التصنيع وتطوير الاقتصاد واستقرار السوق. ولكنهم استبدلوا ذلك بالحلاقين والحمالين وعمال الطابوق وبائعي الساري الهندي والتلفزيونات الملونة والحلويات الفارسية. جيوبنا عامرة، ولكن عقول بعضنا مازالت قاصرة. فهم لا يريدون - ولسبب مجهول - إلا أن يجعلوا منا أسيرى فوائد المصارف ووكالات السيارات. لقد جعلوا منا بقرات حلوبة تمنح حليبها إلى من يقدم إليها سيارة وقرضا لبناء بيت لا يعلم إلا الله متى يسدد فوائدها. تركوا بيننا وبين شعرة المستقبل شعرة أخرى هي أقوى من شعرة معاوية، وقالوا لنا: لكم اليوم واتركوا الغد لنا! من بينهم 30 ألف شاب عاطل عن العمل، بعد أن كانوا 8 آلاف قبل أكثر من خمس سنوات كما قالت وزارة العمل. إن عقلي لا يمكن أن يستوعب الإجابة على هذا السؤال: لماذا هم عاطلون عن العمل في بلد فتي مازال يحتاج حتى إلى جهود المراهقين من أبنائه؟ وعقلي مازال مقفلا أيضا عن تفسير قرار الحكومة الاتحادية بإغلاق باب التعيين منذ أكثر من 10 سنوات. إن وزير العمل وحده يعلم كم منهم تخرج قبل سنوات من جامعة العين ومازال يتسكع في الشوارع إلى يومنا هذا.
ولي عائلة - يقول البساط - في بلد جميل له في الثقافة والسياسة باع طويل اسمه البحرين. وفي هذا البلد يموت من عائلتي 400 شخص كل سنة ما بين إطارات السيارات الأميركية أو الدهس غير المقصود. ولي ذرية من العائلة نفسها في مكان آخر يسمى العربية السعودية. هناك يموت 365 شخصا ما بين طرق الرياض الفارهة وصحراء نجد وأزقة المدينة المنورة... تخيلوا كم من هؤلاء الذين يموتون بعدد أيام السنة سيكون كاتبا أو مهندسا أو عبقريا في التنقيب عن البترول.
أتمنى من كل قلبي أن يدوم شبح الإرهاب حيا في أحيائنا لتحقق مقولة السابقين: "كل نعمة زائلة حتى نعمة الكراسي". ولكني أخاف - أيها السادة - من فورة هؤلاء الشباب ونزقهم، فهم كما تعلمون قليلو الصبر نافذوه، وليس ببعيد عنهم أن يقلبوا الطاولة بوجه بوش وكيري ومن لف حولهم، ويصرخوا بوجوه من كانوا لا يصغون إليهم: لقد مللنا وجوهكم ووعودكم والتصاقكم بالكراسي، نحن مع الذين تسمونهم إرهابيين ولتحترق روما ألف مرة.
إني أخاف عليهم من إغراء التفنن في صنع القنابل المفخخة، خصوصا وأن سكراب السيارات أصبح له محل من الإعراب في المناطق الصناعية الواسعة في بلادنا. أما عائلتي في العراق فأمرها يفوق قدرات عقلي وحجج المنطق فيه، فكلما تكاثر عددهم جاء من يريد القضاء عليهم! جاءهم التتار والمغول قبل مئات السنين، حرقوا الأطفال والنساء الولودات، وكان من بينهم قائد لا يعرف حتى كتابة اسمه، حرق جميع الكتب وألقاها في نهر دجلة. وها هو حفيدهم بوش الابن يكمل ما نساه أجداده.
إني أخاف يا رب العزة من أن يأتي يوم تقلب فيه الموازين ويكون "الإرهابي" هو القاعدة والمغلوب على أمرهم أمثالي هم الشواذ
العدد 880 - الثلثاء 01 فبراير 2005م الموافق 21 ذي الحجة 1425هـ