"أكثر من 20 في المئة من سكان العالم يعيشون في فقر بأقل من دولار واحد يوميا" تقرير الأمم المتحدة للتنمية لسنة 2003 الدول العربية تساهم ثقافيا ومعلوماتيا في الإنتاج الكوني بنسبة مخجلة لا تتعدى 0,05 في المئة. وهناك أكثر من 50 دولة عالمية تعاني من مخلفات الحروب بما فيها الحروب الأهلية والكوارث الطبيعية، مجموع ما ترجمه العرب حتى اليوم من معلومات ومعارف تترجمه إسبانيا في عام واحد. العالم العربي لا تتعدى نسبته في إنتاج تكنولوجيات الاتصال نسبة الهند التي دخلت في هذا المضمار منذ عشر سنوات فقط إلا بـ 2 أو 3 في المئة. اجتماعات الجامعة العربية التي تتناول مجتمع المعلومات لا تشارك فيه إلا سبع دول عربية، أما نتائج تلك الاجتماعات فهي "مخجلة" ولا تكتب.
تلك مقدمة أولى، والمقدمة الثانية سؤال بسيط "أين نعيش نحن؟". الفيلسوف جان فرانسوا ليوتار يذهب إلى الاعتقاد أن تكنولوجيات المعلومات والاتصال مع كونها وسيلة البشرية للسيطرة على الظواهر المعقدة وحل المشكلات الكثيرة، إلا أنها عقدت معظم ظواهر الحياة، وولدت مشكلات جديدة لم تكن في الحسبان، قد تدفع دول العالم في حرب من أجل السيطرة على المعلومات والمعارف، كما حاربت البشرية في الماضي من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية ومصادر الثروة.
هناك شقان أساسيان يكونان المعادلة الرئيسية لهذه الرؤية في المعلوماتية والمجتمع المعلوماتي، الشق الأول هو تطور الانترنت وتكنولوجيات المعلومات والاتصال والتقنيات الرقمية، والثاني هو المفهوم الكوني، والذي أضحى يتبلور بوضوح يوما بعد يوم. يكثر الحديث عن الاتصال بين هذين المكونين لإنتاج مفهوم المجتمع المعلوماتي الكوني. ليس الأمر بالبساطة التي يتصورها البعض، فالمجتمع المعلوماتي الكوني ليس فرضية مجازية ساذجة، أو مقالة تتكهن بما يحدث قريبا، بل حقيقة قادمة. إما أن تتفهم الدول العربية حدوثها القريب، وإما أن تكون الدول العربية في القريب العاجل "خارج التاريخ".
أصبحت المعلوماتية مصدر التنمية الرئيسي للمجتمع المعلوماتي الكوني، ومولدا للثروات على غرار الموارد الطبيعية. لذلك لابد من حسم الأمر بالنسبة إلينا في سياقين متوازيين، الأول يختص بالتعامل من المعلوماتية كمفهوم، والثاني يتمحور بخصوصية القدرة على إنتاج المعلومة باعتبارها موردا اقتصاديا بحتا.
إن إرساء مكونات تنمية مستدامة هو ليس بالخيار المتملق الذي تدعيه الحكومات كأدوات زينة للخطاب السياسي، بل إنه خيار بقاء وحضور كوني. وعلى الحكومات أن تحول استراتيجياتها الإجرائية نحو التنمية المستدامة، سواء في التربية والتعليم أو ترويج الثقافة والمعرفة الإنترنتية والمعلوماتية. وهذا الخيار يستلزم بلا شك توفير عوامل تحقيق أسباب العيش الكريم للفرد، عبر مزيد من الدعم للقطاعات الحكومية المهتمة والفاعلة في هذا الجانب.
إنني أزعم بأن الدول العربية أو دول الجنوب عامة، بحاجة ماسة إلى تشكيل لجان مدنية تهتم بتحديد ماهية المجتمع المعلوماتي المتشكل كونيا، بهدف وضع البرامج التنموية المناسبة في ضوء هذه الدراسات. النموذج البحريني يحتمل نسبة 40 في المئة من الجهل في استخدام الكمبيوتر والمعلوماتية بالنسبة إلى مجموع تعداده السكاني. والحكومة البحرينية لطالما حمل خطابها السياسي التنبؤ بدخول مملكة البحرين الى الدولة الإلكترونية في شتى القطاعات الصحية والثقافية والأمنية والتعليمية، إلا أن الحقيقة الغائبة في هذه الرؤية هي أن شريحة كبرى من المجتمع البحريني قوامها 40 في المئة من المجتمع سيخسرون مواطنتهم في الدولة، أو لن تكون لهم أية فاعلية في الدولة، وهذه إشكالية كبرى، أن ينام المرء مواطنا، ويستيقظ صباحا ليرى أنه غير قادر على التعامل مع من حوله، وأنه خارج إطار فعاليات المجتمع الذي يعيش فيه.
من هذا المنطلق، فإنه لابد أن يكون خيار امتلاك المعلومة والمعرفة الإلكترونية، وتسهيل التنظيمات والأساليب وإجراءات التعامل معها المحور الرئيسي لكل الخطط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للدول العربية.
وفي هذا السياق تستضيف تونس هذا العام القمة العالمية لمجتمع المعلومات، وتأتي المبادرة التونسية التي انطلقت سنة 1998 باقتراح تنظيم قمة عالمية عن مجتمع المعلومات، لمناقشة وتدارس هذه الأزمة والخروج برؤية عالمية متسقة حيال ما اتفق على تسميته بالفجوة الإلكترونية أو المعلوماتية بين الدول عامة وبين دول الشمال والجنوب خصوصا. المشروع التونسي مهم والقمة الكونية طبعا أهم، ولابد للبحرين أن تتفاعل بإيجابية مع هذه القمة، ولقد حظيت هذه الرؤية بإجماع دولي مميز. انعقدت المرحلة الأولى من المشروع التونسي بجنيف في ديسمبر/كانون الاول .2003 وتستضيف تونس هذه القمة في مرحلتها الثانية في نوفمبر/تشرين الثاني .2005
على الدول العربية أن تسجل حضورا فاعلا في هذه القمة الدولية، بما يكفل لها الاطلاع على أعمال اللجان التحضيرية لهذه القمة، والاستفادة الحقيقية من النقاش الدائر، إذ انه من المتوقع أن تكون قمة تونس قمة قرارات دولية مهمة ومؤثرة في مسيرة الاعتماد على المعلوماتية وتكوين المجتمع المعلوماتي. وعلى الدول العربية أن تتبع هذه الخطوات النظرية ببرامج وخطط استراتيجية إجرائية تمثل توجها رئيسا لخطط التنمية العربية المستقبلية، والتي من الواضح أنها لا تعي حجم المشكلة المعلوماتية التي تعيشها حاليا.
الدول العربية وباقي الدول النامية بحاجة الى التنازل عن الخطاب الأخلاقوي، والذي يذهب إلى المطالبة بتوزيع عادل ومتساو للمعلوماتية العالمية الكونية، عليها أن تبذل المزيد من الجهود في سبيل صوغ خطط عبور للخط الفاصل بينها وبين دول الشمال. وأعتقد أنه لا يمكن لأي مجتمع أن ينتج المعلومات أو أن يتعامل معها بإيجابية من دون وجود حرية سياسية حقيقية، ومن دون استقرار أمني، وطبعا من دون تنمية مستدامة، لن يدخل أي بلد إلى الكونية المعلوماتية ما بقي في الفقر وفي مفاهيم التعليم الكلاسيكي ومصادرة الحرية في البحث والاكتشاف والتعبير.
إن الحاجة إلى الحفاظ على التنوع الثقافي واللغوي في عالم رقمي، هي أبرز التحديات التي تحيط بالمجتمع المعلوماتي الكوني. إن الحفاظ على التراث الثقافي واللغات المحلية ينطوي على أهمية أساسية لمجتمع المعلومات. كما أن تبادل المعرفة والخبرات له أهمية من أجل تعزيز التنوع الثقافي واللغوي على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
خرجت ورقة القمة العالمية الأولى بجنيف إلى أهمية اعتبار الحرية أساسا للتنوع في مجتمع المعلومات، وهو مبدأ لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل نظام يقوم على أساس تعددية وسائط الإعلام. كما دعا المشاركون جميع أصحاب المصلحة إلى مضاعفة الوعي بالبعد الأخلاقي في استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات مراعين في ذلك احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للآخرين.
نحن في حاجة ماسة إلى تنمية الموارد البشرية وعلى ضرورة إدماج كل الفئات الاجتماعية في بناء مجتمع المعلومات بشكل يضمن لهم حقوق الملكية الفردية. بعض المهتمين يذهبون الى الاعتقاد بوجود فجوة رقمية داخل البلد الواحد بالإضافة إلى الفجوة الرقمية بين البلدان، ولا يمكن التغلب على هذه الفجوة إلا من خلال مبدأ التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي المستدام، وأيضا بواسطة تعميم سياسات التعاون الإنمائي بين مختلف الدول في العالم. وأنه إذا استمرت هذه الإشكالية في التنامي داخل البلد الواحد الطبقي، فإن النتيجة أن بعض المواطنين سيفقدون مواطنتهم. خرج مؤتمر جنيف بالكثير من المخرجات التي تنتظر تونس لبلورتها وتحديد ماهيتها وسبل بلورتها واقعا إجرائيا، ولكن السؤال الرئيسي: "أين نحن من كل هذا؟!"
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 880 - الثلثاء 01 فبراير 2005م الموافق 21 ذي الحجة 1425هـ