استطرادا للحديث الأخير عن جدوى وردود الفعل على تأسيس المجلس العلمائي، وهل يحقق وجوده المصلحة الوطنية العليا التي تنشدها مؤسسات المجتمع المدني قاطبة، كتبت عن المجلس وعن الوضع الطائفي "طائفية الفريقين" في البلد، ولكن أثارني الأخ الكريم في رسالته المنشورة في عمود الخميس الماضي، لمواصلة الحديث عن المصلحة الوطنية العليا، والالتزامات المترتبة على ذلك، من جانب الدولة بمؤسساتها وقوانينها وأعرافها والمجتمع بمختلف مؤسساته المدنية والأهلية وشخصياته ورموزه العامة.
في الدول المتقدمة، تؤشر بوصلة العمل الوطني العام على المصلحة الوطنية العليا، وبذلك تقود مختلف القطاعات "الدولة والمجتمع" إلى تقديم شتى التنازلات أو التضحيات من أجل أن ينال الشعب مكاسب واقعية ملموسة ينعم في ربوعها جميع أفراد المجتمع. هذه التنازلات أو التضحيات حتما لا تأتي من خلال القفز على القوانين الوطنية المنظمة لحياة الأمة، وإنما تأتي بإرادة مشتركة تنصهر فيها مصالح مختلف الأطراف التي يتألف منها النظام السياسي القائم في الدولة. وقد تطفو على السطح بعض الخلافات ولكنها لم تكن يوما ما معيقا لتثبيت دعائم الإرادة الوطنية الخالصة، والجهود المخلصة لتحقيق المكاسب الوطنية العليا المشتركة.
خذ مثلا على ذلك، مع الفارق طبعا، ما حدث من قرارات مصيرية من أجل قيام الولايات المتحدة الأميركية؛ إذ على رغم الفوارق الشاسعة بين الاثنيات والأعراق والايديولوجيات والأفكار المختلفة التي تحويها التركيبة الأميركية، على رغم كل هذه التباينات فإن المصلحة المشتركة أذابت أو تجاوزت - والأصح - انصهرت في بوتقة واحدة متراصة تعمل من أجل هدف واحد هو رفاهية الشعب الأميركي. ألم يكن في هذا الاتحاد تضحيات وتنازلات؟! إذا، لماذا لا يكون هذا المثل حكمتنا وفلسفتنا للعمل من أجل دولة تتمتع بمقومات دولة القانون والتحضر وتوحيد الجبهة الوطنية الداخلية.
كيف لنا أن نصل إلى هدف مشترك في ظل دولة القانون ونحن نفاجأ بين فينة وأخرى بكيانات من شأن قيامها أو وجودها أن يؤدي إلى انقسامات وشروخات في التزامات الفرد تجاه دولة القانون والمؤسسات؟!
هذه الكيانات "أيا كانت سنية أو شيعية" لا تقوم من أجل هدف المصلحة الوطنية المشتركة؛ وإنما من الإقصاء والاستفراد وسحب البساط من الآخرين والتحكم في قيادة الشارع، والكسب السياسي الآني بعيدا عن المصالح الوطنية في المستقبل البعيد.
نعم، المواطن في الدول العربية وفي الخليج لم يصل إلى معنى المواطنة الحقيقية، والدولة أيضا لا تتعامل مع الفرد في هذه الدول كمواطن؛ بل بحسب القبيلة/ العرق/المذهب... إلخ، كلها إشكالات، وتمثل شروخات في معنى المواطنة. ليس المجتمع مسئولا عنها إلا بقدر قليل في قبال مسئولية الدولة التي تملك الثروة والمال والسلطة والنفوذ، ووسائل الثقافة والإعلام.
هذه قناعتي الشخصية في إشكالية المواطنة وفي الكيانات الدينية المختلفة، حتى يكون لها دور أكبر في السعي لهدف مشترك وهو الوحدة الوطنية بجميع مقوماتها، والابتعاد عن معاول هدم أركان دولة القانون والمؤسسات والمساواة والعدالة الاجتماعية والمواطنية الحقيقية التي نريدها.
هذا ما أعتقده وما أفهمه شخصيا من المصلحة الوطنية العليا بعفوية تامة بعيدة عن الاختراقات الإيديولوجية أو المذهبية... أما ما يتعلق بجمعيتي العمل الوطني والمنبر التقدمي فإن الأخ عبدالرحمن النعيمي والرفيق حسن مدن كفيلان بالرد على أسئلة القارئ الكريم، المحترق على صمت اليسار البحريني
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 878 - الأحد 30 يناير 2005م الموافق 19 ذي الحجة 1425هـ