من هو الإسكندر المقدوني؟ قبل أكثر من 2300 سنة نجح القائد إسكندر المقدوني الذي عرف باسم "الإسكندر الكبير أو الأكبر" بحكم هيبته وحنكته في قيادة جيوشه التي نجحت في احتلال مناطق شاسعة امتدت من مسقط رأسه اليونان إلى الهند . لكن هذا القائد الكبير توفي في شبابه العام 323 ق.م عن عمر يناهز 31 ربيعا. بعد أن أوقع الرعب في قلوب قادة العالم في عصره. وعلى رغم السلسلة الطويلة من الكتب والدراسات التي جعلت من الإسكندر المقدوني ومن مشروعه الكوني موضوعا لها فإن الغموض لايزال يلف الكثير من الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك المشروع الذي دفع القائد الأسطوري للانطلاق من مقدونيا على رأس جيش متواضع، لفتح العالم الذي امتد بعيدا إلى تخوم المحيط الهندي. وفيلم أوليفر ستون الذي لايزال يعرض تحت اسم الاسكندر الأكبر يتناول سيرة ذلك القائد المقدوني، ويصور فترة ثماني سنوات من معاركه في سعيه لغزو العالم المعروف آنذاك.
ضجة يونانية
الفيلم عموما - وكما ذكرت رويترز - أثار ضجة كبيرة في اليونان إذ صور مخرجه اوليفر ستون الإسكندر الأكبر على أنه منحرف جنسيا، ما أثار حنق يونانيين وأسئلة في هوليوود بشأن مدى الإقبال الجماهيري على عمل يروي سيرة ذلك القائد التاريخي الشهير. وذكرت عدة صحف غربية أن ستون، وهو مخرج مثير للجدل، يأخذ مخاطرة كبرى بهذا الفيلم الملحمي الذي كلف 160 مليون دولار، ويتضمن مشاهد عاطفية ساخنة بين الإسكندر وبين أقرب أصدقائه هيفاستيون. في حين اقتنصت منظمة للدفاع عن المثليين والمثليات الفرصة للادعاء بأن الفيلم الملحمي يمثل فتحا جديدا لأنه يصور الصديق هيفاستيون على أنه "الحب الوحيد في حياة الإسكندر". ويصر جميع من لهم علاقة بالفيلم من المخرج ستون إلى النجم كولن فاريل على أن الفيلم لا توجد به أخطاء تاريخية ويعكس الأعراف الوثنية التي كانت سائدة العام 330 قبل الميلاد عندما استولى الأمير المقدوني على بلاد فارس أكبر إمبراطورية آنذاك ووصل بفتوحاته إلى أقصى أرجاء الكرة الأرضية. ورغم ذلك فإن مجموعة من المحامين اليونانيين الغاضبين يقولون إنه يتعين مقاضاة ستون والشركة الموزعة للفيلم "وارنر بروس" بتهمة تزييف التاريخ. ووصلت الضجة إلى حد الطرافة إذ تساءل أحدهم ما إن كانت سمعة الإسكندر المقدوني كشاذ جنسيا ساهمت في تخويف أعدائه وبالتالي عدم التصدي له متيحين له فرصة عدم الخسارة في أي من المعارك؟!
تشويش "حلم الفتح"
صور الفيلم الإسكندر - كما سبق أن ذكرنا - على أنه فرد من مجتمع، يعايش ما يعايشه أفراده، إلا أنه تميز بتفكيره حتى عد مفكرا كبيرا، وبنظرته للعالم التي لم تتفق مع المقاتلين اليونانيين حوله، والذين يرون أن مهمتهم انتهت ويجب أن يعودوا لأهلهم، وأن لا علاقة تربطهم بالمجتمعات الأخرى "المتخلفة" - سوى اليونان وحواليها - بل ورفضوا فكرة المصاهرة وتمييع تميز ونقاء العرق اليوناني. الإسكندر وحده رأى خلاف ذلك ففي مصاهرتهم استمالة لهم، وفي تعليمهم - وفق ثقافة اليونان - مساعدة لهم ولاسيما مع بروز بوادر التمرد بين صفوفه، كي يستعين بهم لإكمال مشروعه التغييري، فغدا جيشه ومحيطه خليطا من اليونان والفرس. وكما يقول ارنست جونجر - في مقال على شبكة الإنترنت - فإن الإسكندر تغير كثيرا، فبعد أن أخبره أرسطو أن الشرقيين برابرة لا يصلحون إلا عبيدا للإغريق، ها هو ينبهر الآن بحضارة الشرق، ويرى قومه على حقيقتهم مجموعة من البرابرة سعيدي الطالع، لأنهم يقاتلون إمبراطورية عظمى في سنوات أفولها.
حلم فتح الأرض وتوحيد ممالكها بما يتطلبه ذلك من تطواف على الأرض هو ما أضفى صفة التشابه والتداخل بين الشخصيات القوية التي حكمت، فتعددت الإسكندريات "قادة ومدنا"، فسعى البعض للتفريق بقيد "الكبير أو الأكبر"، وهنا تحدثت الأساطير عن الأكبر المقدوني، بينما تحدثت الكتب الدينية عن "ذي القرنين" كعبد صالح فاتح للأرض، فما العلاقة بينهما، وهل يمكن أن يكونا واحدا؟ بعد أن أعطانا الفيلم فكرة عن المقدوني، لابد لنا الآن من إلقاء نظرة على ذي القرنين هو الآخر.
ذوالقرنين والقرآن
باختصار شديد، ذوالقرنين في التفسير الديني يمثل النموذج الطيب للحاكم الصالح العادل غير المتجبر ولا المستغل.
وردت قصته العجيبة في سياق سورة مكية، ومسترسلة مع أربع قصص يربطها محور واحد وهو أنها تجمع الفتن الأربع في الحياة: فتنة الدين "قصة أهل الكهف"، فتنة المال "صاحب الجنتين"، فتنة العلم "موسى والخضر" وفتنة السلطة "ذوالقرنين". وأنزل الله الآيات الخاصة بها في معرض رد على مجموعة من قريش قررت اختبار الرسول الأكرم "ص"، وقامت في سبيل ذلك بالتنسيق مع اليهود واستشارتهم بطرح ثلاث قضايا منها قضية ذي القرنين، تلك الشخصية التي أثارت اهتمامات الفلاسفة والباحثين منذ القدم. وقد بذلت جهود ومساع كثيرة للتعرف عليها، والدليل على ذلك من النص القرآني أنها كانت متداولة ولكنها محاطة بالغموض والإبهام، لهذا السبب طالبوه "ص" بالإدلاء بتوضيحات عنها.
هما واحد أم لا؟
وهنا يعود السؤال: هل هما واحد أم لا؟ يمكن أن نرجع الآراء إلى ثلاث نظريات أساسية هي: النظرية الأولى: يرى البعض أن "ذا القرنين" ليس سوى "الإسكندر المقدوني"، لذلك فإنهم يسمونه "الإسكندر ذو القرنين"، على رغم أن الذي سماه "الإسكندر" هو ابن هشام "213 هـ - 828م"، وحدد أنه الإسكندر الذي بنى مدينة الإسكندرية، فنسبت إليه. ويعتقد آخرون أن أول من قال بهذه النظرية هو الشيخ ابن سينا في كتابه "الشفاء". ولكن المقدوني لم يبن سدا، ولو قيل إنه سور الصين، فيرد بأنه مازال قائما وهو ليس مبنيا بالكيفية التي ذكرها القرآن، كما أن صفات ذي القرنين لا تنطبق على المقدوني من جهة الإيمان والكفر، والسلوك العملي.
النظرية الثانية: يرى جمع من المؤرخين أن "ذا القرنين" كان أحد ملوك اليمن "كان ملوك اليمن يسمون بـ "تبع" وجمع ذلك "تبابعة"". وقد دافع عن هذه النظرية الأصمعي في تأريخ "العرب قبل الإسلام"، وابن هشام في تأريخه المعروف بسيرة ابن هشام، وأبوريحان البيروني في كتاب "الآثار الباقية". وتم إيراد أبيات - لا يعلم مقدار النحل أو لعثمة التاريخ فيها - لشعراء حميريين وبعض من شعراء الجاهلية تفاخروا بكون "ذي القرنين" من قومهم. وفقا لهذه النظرية يكون سد ذي القرنين هو سد "مأرب" المعروف. ولكن هذا الرأي لا يستقيم لأن السد القرآني بني للحماية، وهذا السد بني لخزن المياه ومنعها من الطغيان والفيضان، وقد ذكر القرآن شرحا لذلك في سورة "سبأ"، كما أن المواد المستخدمة في بناء مأرب ليست الحديد والنحاس المذاب، وصفات ذي القرنين لا تنطبق على الملك التبعي.
النظرية الثالثة: وهي أحدث النظريات في هذا المجال وردت عن المفكر الإسلامي المعروف أبي الكلام آزاد، الذي شغل يوما منصب وزير الثقافة في الهند. وقد أورد رأيه في كتاب حققه في هذا المجال. وطبقا لهذه النظرية فإن ذا القرنين هو نفسه "كورش الكبير" الملك الأخميني. وقد وجد قرينة من اسمه تثبت صوابية احتمال أنه هو، فالقرنان يشيران الى احتواء تاجه الخاص على قرنين "رأي". كما أن الصفات المميزة لذي القرنين تتفق مع صفات كورش من الإيمان والسماحة والخلق العالي والقوة والسيطرة وتعدد القوات والرحلات الثلاث "للغرب، للشرق، للمضيق الجبلي" وغيرها الموجودة لدى ذي القرنين. وقد عقد صاحب تفسير "الأمثل" الشيخ ناصر مكارم الشيرازي دراسة مقارنة مختصرة تثبت أن كورش وفق النصوص التوراتية ولدى مقاربتها بالسائلين المطلعين على أخباره من كتبهم "اليهود" هو ذوالقرنين، الذي وحد بلاد "ماد وفارس"، وشكل منهما مملكة كبيرة، مضافا إلى الأثر الأركيولوجي لتمثال كورش بالقرب من مدينة "اصطخر" بجوار نهر "المرغاب"، ويظهر من هذا التمثال أن لكورش جناحين من الجانبين يشبهان جناح العقاب، وعلى رأسه تاج يشاهد فيه قرنان يشبهان قرني الكبش، ما يعزز تفسير القرنين بقرني تاج رأسه. والأهم ما يثبته تتبع أسفار كورش ومطابقتها لما ورد في القرآن الكريم، ويؤكد أن مضيق "داريال" الذي يشاهد في الخرائط المنتشرة في الوقت الحاضر، ويقع بين "والادي كيوكز" و"تفليس" مازال يظهر فيه حتى الآن الجدار الحديد الأثري، والذي هو السد نفسه الذي بناه "كورش"، إذ ثمة تطابق واضح بينه وبين ما ذكر القرآن من صفات وخصائص لسد ذي القرنين.
كل تلك التأكيدات لم تتبلور بشكل نهائي باعتبار استمرار وجود نقاط مبهمة في هذه النظرية، إلا أنها في الوقت الحاضر تعتبر أفضل النظريات في تشخيص شخصية "ذي القرنين" وتطبيق مواصفاتها القرآنية على الشخصيات التاريخية.
ويستنتج أن يأجوج ومأجوج هم من القبائل الوحشية، اذ طلب أهل القوقاز من "كورش" عند سفره إليهم أن ينقذهم من هجمات هذه القبائل، لذلك أقدم على تأسيس السد المعروف بسد ذي القرنين
العدد 875 - الخميس 27 يناير 2005م الموافق 16 ذي الحجة 1425هـ