بعث لي أحد الإخوة رسالة "أو مقالا"، تحلل الواقع المحلي، وبعض ردود الفعل إثر تأسيس المجلس العلمائي. أعرضها "بتصرف قليل".
أثار تأسيس "المجلس الإسلامي العلمائي" حديثا أسئلة وهواجس جديدة بخصوص مدى إمكان تشكل الدولة/ القومية nation/state في البحرين، وهي الدولة التي يكون الولاء فيها متجها إلى الوطن وليس إلى شيء آخر كالطائفة أو القبيلة. وهي الدولة التي يكون المرجع المحدد لسلوكها وسلوك أفرادها الدستور والقانون في المقام الأول.
الأهم مما سبق أن نمط تعاطي المجتمع المدني مع نشوء الكيان الجديد أفرز أسئلة عميقة عن طبيعة الطائفية الموجودة في البحرين، فالطائفية تضرب بعمق في معظم تكوينات البحرين، سواء المجتمع أو الدولة.
الملفت للنظر أن تأسيس المجلس العلمائي، الذي نجزم أنه تحد صريح لسلطة المرجعية المدنية الحديثة للدولة/ القومية ونظام عملها، لم يثر هواجس لدى قوى في المجتمع المدني من المفترض أن تكون في مقدمة المعترضين على نشوء هذا المجلس، ونقصد بهذه القوى تحديدا الجمعيات السياسية الممثلة لليسار البحريني، وخصوصا جمعية العمل الوطني الديمقراطي، فكثيرا ما سمعنا تخوفاتها من الطائفية والطائفيين، ولكننا لم نجد من "ع. و. د" ما يدل على أنها متخوفة من خطورته على المواطنة البحرينية، بوصفه نقضا مباشرا لها. ولذلك فإن اعتبارات أخرى "هي اعتبارات طائفية محضة" تتمثل في مخاوف الصدام مع التيار العريض الذي يمثله المجلس.
إذا، الطائفية في البحرين لا تتمظهر فقط في شكلها الديني "المذهبي؛ بل في شكلها المدني" اليساري، إذ نجد أن اليسار يتفتت بشكل "طائفي" على جمعيات كثيرة ومتفرقة، وذلك على رغم كثرة العوائق التي تنخر في عظامه، وتقزم قواعده الجماهيرية وضخامة أهدافه التي يسعى من أجل "تحقيقها". وعلى رغم إقرارنا بالاختلافات التاريخية والنظرية بين فصائل اليسار، فإنه من المفترض أن يتوحد وراء المصلحة الوطنية التي ينادي بها، في كيان واحد مثل حزب التجمع المصري. إلا أن ذلك لم يحدث، في ظل الحساسيات "المشخصنة بشكل كبير" بين الرموز، والتي أثارت وتثير توترات مفتعلة كتلك التي بين جمعيتي العمل الوطني والتجمع الوطني.
بهذا التحليل الموجز والمركز نستطيع أن نجازف بالقول: إن الطائفية في البحرين أصبحت "بنية" ثقافية مستقلة وقائمة بذاتها، ونقصد بالبنية "مركب ثابت من المفاهيم والقوالب والمقولات التي لا تتأثر بالزمان "لا زمنية" ولا بالمكان "لا مكانية"".
... والطائفية بوصفها بنية نمطية تحمل تصورات جامدة عن الآخر، فإن الطائفي لا يعيش في الحقيقة مع الآخر، وإنما يعيش فقط مع نفسه ولا يرى إلا تصوراته الذهنية المنمطة عن الآخر، وهنا تشابه بين الشرق كما يتصوره الغرب - الذي طرحه كتاب إدوارد سعيد - وبين الآخر كما يتصوره الطائفي، فكما أن الغرب "يخلق" شرقا على هواه، فإن الطائفي يخلق "آخر" على هواه أيضا، لا يراه إلا كما يريد هو أن يراه!
مما سبق نستنتج أن الدولة/ القومية بمعناها الحديث "المتمخض عن صلح وستفاليا 1648م" لم تعرفها البحرين بعد، ولا الخليج كله. فالدولة العربية في الخليج تعاني من انشقاقات حاسمة في ولاءات أفرادها بشكل يصعب علينا أن نطلق عليهم لفظة "مواطنين". ولذلك ننبه الجميع إلى أن المشروع الإصلاحي في خطر حقيقي، ينبع أساسا من "تشوه" المجتمع/ الدولة في البحرين. انتهى موضوع الأخ الكريم. ولنا تعليق عليه الاثنين المقبل إن شاء الله
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 874 - الأربعاء 26 يناير 2005م الموافق 15 ذي الحجة 1425هـ