بعد أيام قليلة يفترض أن يتوجه الناخبون العراقيون في مختلف أنحاء العالم إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العراقية وسط ظروف غير مستقرة سياسيا تصاحبها إجراءات أمنية مشددة، وهي ظروف طبعا من شأنها أن تثير إرباكات وإشكالات كثيرة لاحقا، وخصوصا في مسألة شرعية نتائجها ومدى صدقيتها. وعلى رغم أهمية هذه الانتخابات على مستوى الداخل العراقي فإن لها تأثيرات وامتدادات مهمة على الشأن الإقليمي، وما يهمنا في هذا الصدد هو تأثير الانتخابات العراقية على الانتخابات البرلمانية التي سنشهدها في النصف الثاني من العام المقبل .2006
وما يدعونا إلى طرح ذلك هو التشابه العميق والتداخل الواضح في ظروف إجراء الانتخابات العراقية، والظروف التي يعيشها الوضع السياسي البحريني منذ العام 2002 وهو عام التصديق على دستور البحرين المعدل. ويمكن رصد ثلاثة أوجه لهذه التشابهات، أولها وجود ثنائية المقاطعة/المشاركة في كل من العراق والبحرين، ففي البلاد هناك قوى قاطعت الانتخابات وأخرى دخلت العملية السياسية وشاركت في الانتخابات وحصدت المكتسبات. وفي العراق كذلك هناك قوى سياسية تطالب بالمشاركة وتسعى إلى نيل أكبر قدر من المكاسب بعد غياب طويل، في الوقت الذي تنادي به قوى أخرى بمقاطعة هذه الانتخابات لأسباب كثيرة لا مجال لتفصيلها الآن.
أما وجه التشابه الثاني في الحالتين العراقية والبحرينية، هو ان الموقف من أول انتخابات يشهدها النظام بعد حال من الجمود والتغيير السياسي جاءت بناء على عوامل واعتبارات طائفية صرفة، ولكن ما يميزها تناقض المواقف في هاتين الحالتين. ففي العراق نادى الشيعة بالمشاركة في الانتخابات وطالب السنة بمقاطعتها، وفي الانتخابات البحرينية التي أجريت نهاية العام 2002 طالب الشيعة بمقاطعة الانتخابات، ونادى السنة بالمشاركة فيها ونيل استحقاقاتها. إلا أن وجه التشابه الثالث هو الأهم والأخطر لأنه يتعلق بالشرعية، فالخلاف بشأن الانتخابات العراقية اليوم ظهر بسبب الجدل بشأن شرعية إقامة الانتخابات في الوقت الذي تشهد فيه البلاد احتلالا أجنبيا، أما في الحال البحرينية فإن هناك أزمة أخرى تتعلق أيضا بالشرعية، فهناك بعض القوى السياسية التي لا تعتبر الدستور المعدل دستورا شرعيا وهو ما يدفعها إلى مقاطعة الانتخابات.
تلك هي أوجه التشابه بين الحالتين العراقية والبحرينية في الانتخابات، ولكن تأثير الانتخابات العراقية المقبلة على الانتخابات البحرينية في العام المقبل سيأتي من وجه الشبه الثاني، فالشيعة العراقيون أدركوا أن الفرصة قد أصبحت مواتية لأن يكون لهم دور فاعل في النظام السياسي بعد طول تهميش، وبالتالي يجب المشاركة في تفاعلات النظام مهما كانت شرعيتها انطلاقا من اعتبارات دينية من ناحية، واعتبارات عملية من ناحية أخرى. ولهذا فإن التأثير العراقي على البرلمان البحريني المقبل سيكون على النهج نفسه، فهناك حوارات نخبوية دائرة ومطالبات شعبية في الوسط الشيعي لتدارك الخطأ الاستراتيجي السابق والشروع في الدخول إلى اللعبة السياسية للتقليل من الخسائر الفادحة طوال السنوات القليلة الماضية من عمر المؤسسة التشريعية البحرينية.
مثل هذا التأثير قد يكون إيجابيا للنظام السياسي البحريني إلى درجة كبيرة، ولكنه لن يكون كذلك إذا كان تغيير موقف المقاطعة إلى المشاركة قائما على حساب مصالح طائفية صرفة، وقائما أيضا على مساع جدية لتهميش الآخر وصولا إلى مرحلة نفيه. ومن ثم فإنه لابد لمن يسعى إلى تغيير الموقف الراهن أن يراعي الاعتبارات الوطنية في المقام الأول قبل أن يسعى إلى تحقيق مآرب طائفية لا أكثر
العدد 873 - الثلثاء 25 يناير 2005م الموافق 14 ذي الحجة 1425هـ