القول بأن المؤسسات العامة والهيئات الحكومية التي لا تتبع وزيرا مختصا لا تخضع لرقابة المؤسسة التشريعية غير مقبول البتة، ويتعارض مع النصوص الدستورية الصريحة التي تعطي المجلس المنتخب - خصوصا - الحق في متابعة أعمال الجهاز الحكومي، إلا إذا افترضنا أن الهيئات ليست جزءا من الجهاز التنفيذي، وهذا افتراض لا تقبله الحكومة طبعا المعنية بمتابعة أداء هذه الأجهزة.
هذا الفهم مازال سائدا في المجلس المنتخب، وهو ما جعله يطالب بإشراف وزير المالية على أعمال هيئة "التقاعد"، على رغم أن تدخل الحكومة في أعمال هيئتي "التقاعد" و"التأمينات"، أحد أهم أسباب تدهور أوضاعهما، كما نص تقرير لجنة التحقيق في إفلاس "الهيئتين".
هذا الفهم هو الذي يجعل النواب "والشورى" لا يسأل جامعة البحرين، ومؤسسة نقد البحرين، ومركز البحرين للدراسات والبحوث، ودائرة الشئون القانونية، والجهاز المركزي للمعلومات، وديوان الخدمة المدنية، ونادي الفروسية وسباق الخيل، والهيئة الوطنية للحماية الفطرية، ومجلس التنمية الاقتصادية، وجهاز المساحة والتسجيل العقاري، ومؤسستي الأوقاف وغيرها من الهيئات، عن أوضاعها التي قد لا تفرح، متذرعا "البرلمان" بأن هذه الهيئات "لا تتبع وزيرا مختصا"، مرددا أن المادة "66/أ" من الدستور تنص على أن "كل وزير مسئول لدى مجلس النواب عن أعمال وزارته"، ولما كانت هذه الهيئات لا تتبع وزيرا، فكيف يمكن سؤالها؟!
إن هذا النص لا يخرج الهيئات من الرقابة أبدا. بل إنه يعني أن هناك آخرين، غير الوزراء، يجب أن يساءلوا، هم مسئولو هذه الهيئات مباشرة. وأشير هنا إلى الوزير السابق محمد المطوع أوضح أنه غير مسئول عن المؤسسة العامة للشباب والرياضة أو ديوان الخدمة المدنية، وإنه اذ يجيب عن اسئلة وجهت بشأنهما، لا يجعله مسئولا عن أعمالهما.
تنص المادة "69" من الدستور على أنه "يحق لمجلس النواب في كل وقت أن يؤلف لجان تحقيق أو يندب عضوا أو أكثر من أعضائه للتحقيق في أي أمر من الأمور الداخلة في اختصاصات المجلس المبينة في الدستور، على أن تقدم اللجنة أو العضو نتيجة التحقيق خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ بدء التحقيق. ويجب على الوزراء وجميع موظفي الدولة تقديم الشهادات والوثائق والبيانات التي تطلب منهم"، فإذا كان للمجلس المنتخب أن يشكل لجان تحقيق في عمل الوزارات والهيئات، ويسأل كل موظف، صغر أم كبر، كما حدث وفعل إبان التحقيق في ملف "الهيئتين"، من دون حاجة إلى وساطة "الوزير المختص" ولا غيره، أليس الأولى أن يكون لهذا المجلس وكذلك للشورى توجيه أسئلة مباشرة إلى مديري ورؤساء الهيئات... ذلك أن السؤال أقل درجة بكثير من لجان التحقيق، فإن كان الأعلى درجة ممكنا، فإن الأقل منه ممكن أيضا.
الرقابة البرلمانية تشمل جميع الأجهزة الحكومية. وتقييدها سواء عبر بدعة "الوزير المختص"، المتسللة إلى مواد اللائحة الداخلية "مثل المادة 28"، أو عبر تقييد الممارسة مثل تقييد حق السؤال الذي يتيحه الدستور للعضو في المجلسين بلا عدد "المادة 91"، بينما تقصره اللوائح على سؤال واحد في الشهر، أو عبر رؤى نيابة كما هو تفسيرهم لحق الرقابة على الهيئات، أو عبر تفسيرات حكومية حين ترفض قبول الإجابة عن أسئلة تتعلق بمصير المقترحات بقوانين والمقترحات برغبة التي قدمها النواب، بدعوى أن هذه الأمور لا تتبع وزيرا مختصا وإنما تتبع الحكومة، وبالتالي لا يجوز السؤال عنها... كل هذه الأمور لا تبدو مقنعة، بل ومخالفة للمضامين الأساسية التي يقوم عليها الحق الرقابي.
لعل المطلوب من النواب إدراك أدوارهم ومعرفة حقوقهم، وقراءة النصوص الدستورية ضمن "مقاصدها"، والإدراك بأن الحكومة ستعمل جاهدة على "التملص" كلما استطاعت من مسئوليتها، خصوصا إذا تعلق الأمر بالمحاسبة
العدد 873 - الثلثاء 25 يناير 2005م الموافق 14 ذي الحجة 1425هـ