العدد 873 - الثلثاء 25 يناير 2005م الموافق 14 ذي الحجة 1425هـ

مصر 2005 تحديات التغيير ومخاطر الضغوط!

أخطر ما قاله مبارك وبوش

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

بقدر ما نجحت ثورة يوليو ،1952 في قيادة ثورة اجتماعية انتصارية ثقافية، غيرت تركيبة المجتمع المصري لصالح طبقات الشعب الفقيرة، على حساب ثورة ديمقراطية سياسية ليبرالية الطابع، كما عبر عنها جمال عبدالناصر في مرحلة من أهم مراحل التاريخ المصري والعربي، قادت حركة التحرر والاستقلال ومواجهة الاستعمار الغربي في كل مكان.

الآن تغيرت الظروف والملابسات داخل مصر وفي محيطها العربي، فضلا عن التغيرات الراديكالية، في المحيط الدولي، وخصوصا بعد سقوط الحليف السوفياتي، وانتهاء الحرب الباردة وصعود الولايات المتحدة الأميركية قوة عظمى وحيدة، تقود العالم وفق مفاهيمها ومصالحها الاستراتيجية.

وقد جاءت هجمات سبتمبر/ أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن لتفتح كل الأبواب أمام الإدارة الأميركية بقيادة "المحافظين الجدد" لاكتساح عالم اليوم، باسم الحرب ضد الإرهاب، والحرب من أجل فرض النموذج الأميركي في الديمقراطية، على شعوب مختلفة مثل الشعب الافغاني والشعب العراقي تحت رايات الاحتلال العسكري الأميركي المباشر.

ولأن الخبراء الاميركيين النقاة يدركون الاجتياح العسكري والاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق، مثلا لا ينجح في فرض النموذج الديمقراطي، على رغم مهرجانات الانتخابات وحملات الاعلام والدعاية، فإن أنظارهم تتجه نحو دولة مؤهلة لذلك، فيها مقومات ومؤسسات وقوى شبيهة ومحركات سياسية واقتصادية اجتماعية، تصلح "منطقة مؤهلة" للتغيير السياسي الذي يريدونه، ومن ثم تستطيع ان تقدم النموذج وتعطي القدوة لباقي المنطقة!

لذلك نزعم ان العام 2005 هو عام الضغط على مصر لاجراء التغيير المطلوب أميركيا، بصرف النظر عن السمعة السيئة، التي اكتسبتها السياسة الأميركية عموما في الشارع المصري الملتهب، الرافض في معظمه لفرض الاصلاح الديمقراطي الأميركي، وهو أمر يلتقي فيه الشارع مع النخبة الحاكمة، ولكل أسبابه.

وبقدر تصعيد الضغط الأميركي على مصر، في هذا الاتجاه، باستخدام كل الاساليب الترغيبية والترهيبية، بقدر ما أن ذلك سيؤدي في المحصلة النهائية الى عرقلة التغيير الديمقراطي الحقيقي، الذي تسعى اليه القوى الوطنية التي استعادت كثيرا من عافيتها في السنوات الأخيرة، بفضل هامش الحرية المحدود المتاح حاليا.

القوى الوطنية المصرية، تسعى الى تغيير رئيسي في هياكل الحكم، وفي مراكز القرار السياسي المتعددة، وفي تحديد الأولويات ووضع السياسات وفقا للمبادئ والمصالح المصرية معا، والضغوط الأميركية تتعجل فرض نموذجها المستورد الآن وفورا وفي الحالتين تقف النخبة الرسمية حائرة، ما بين الرفض الكامل والمراوغة الواضحة، ومن هنا تلتهب الرؤوس سخونة وتتقلب المواقف ويعوم الشارع على احتقان سياسي يوازيه أو يفوقه قوة الانهاك الاقتصادي الاجتماعي المتزايد، الأمر الذي يتطلب مقاربة سياسية حكيمة تستجيب للاصلاح الوطني ولا تخضع للضغوط الأميركية القاسية... كم هو صعب ذلك الموقف!

ومصر في العام 2005 الحالي، تواجه فعلا تحديات التغيير، بمفاهيم ومعايير مختلفة عن سنواتها، وعهودها السابقة فثمة مطالب وضعوط وطنية أخذت تتسع شعبيا في السنوات الأخيرة، تسعى نحو نموذج ديمقراطي حديث يليق بمصر وثقافتها وحضارتها ودورها المحوري في الوطن العربي، لا يميله احد سوى الشعب وهيئاته ومنظماته في مجتمع مدني متسع الزوايا وثمة ضغوط ومطالب أميركية أخذت تزداد قسوة، تغري أحيانا وترهب غالبا بهدف تحقيق مصلحة أميركية أبعد، تختلف في كثير من المناطق على المصلحة المصرية بامتدادها العربي.

كل ذلك يحدث في عام الانتخابات الاساسية في مصر المحروسة، اذ هناك أولا استفتاء على تجديد رئاسة الرئيس محمد حسني مبارك، وهو الأرجح وفق كل المؤشرات، لتمتد مرة أخرى مستمرة منذ توليه الحكم العام 1981 ثم هناك ثانيا انتخابات برلمانية لتشكيل برلمان جديد، وفي الحالتين يسعى الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم للفوز، كما تعود، بينما تسعى الأحزاب السياسية الأخرى ومعها منظمات شعبية عدة، الى تغيير قواعد اللعبة، ان لم يكن باسقاط الحزب الحاكم، فعلى الأقل بتقليص نفوذه السياسي وقبضته المطلقة على الأمور، وهذا حق شرعي يفترض أن الدستور يكفله وان كان الواقع لا يطاوعه!

على الناحية الأخرى من المحيط تسعى السياسة الاميركية الى تحقيق "إنجاز ديمقراطي" في الشرق الأوسط عموما، وفي مصر خصوصا، اكد الرئيس بوش في خطابه يوم الخميس الماضي، انه سيكرس فترة حكمه الثانية لتحقيقه، ولأنهم هناك يدركون أن الدعاية والإدعاء بجعل العراق بعد انتخابات الأسبوع المقبل، بؤرة ديمقراطية تنقل العدوى، هو إدعاء تنقصه الحقيقة ولا يسنده الواقع، فإن تركيزهم خلال العام 2005 سيكون على مصر "المنطقة المؤهلة" لنشر العدوى.

ونتوقع أن تقتحم السياسة ساحة الانتخابات برغبة التغيير في مصر، عبر طريقين واضحين.

الطريق الأول هو تشديد "الضغط الناعم" حتى الآن، باستخدام الأساليب السياسية والاقتصادية، وخصوصا سلاح المعوقات، وتشجيع، أو تأليب منظمات المجتمع المدني ومساندتها ماليا وسياسيا، وتأجيج الأزمات الاجتماعية الطاحنة، من أزمة المعيشة اليومية لفئات الشعب المطحونة، إلى استغلال أزمات طائفية مفتعلة على غرار مشكلات الأقباط.

هنا تدخل مباشرة حكاية الملايين السبعين من الدولارات، أكثر من 400 مليون جنيه، المرصودة للتأثير في الانتخابات المقبلة، مثلما يدخل التهديد بتقديم مشروع قانون في الكونغرس الأميركي "لمحاسبة مصر بسبب مشكلات الأقباط" الذي بدأ الترويج له منذ فترة، والذي يمكن أن يمثل ضغوطا وتحديات مضاعفة لمصر، لإجبار صاحب القرار، ليس فقط على تغيير مواقفه من الأقباط مثلا، ولكن أساسا على تغيير مواقفه من تداول السلطة وإطلاق الحريات في مصر، امتدادا حتى تغيير مواقفه من مساندة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الصهيوني، ومن ثم إضعاف الدور المصري المحوري في المحيط العربي.

الطريق الثاني، ويتمثل في تحويل الضغط الأميركي الناعم، إلى "ضغط خشن" جربته أميركا بنجاح خلال الفترة الأخيرة، في رومانيا وصربيا، ثم في جورجيا وأوكرانيا وغيرها، وذلك عن طريق الحشد والتجنيد والتنظيم والتمويل، لفئات شعبية، تقوم بعصيان مدني باسم "المعارضة الديمقراطية"!

ونبهنا الخبير المدقق والكاتب المتمكن "جميل مطر" إلى أن نجاح الاختراق الأميركي لهذه الدول وتأثيره المباشر في انتخاباتها الأخيرة، تم بتجنيد فريق عمل أميركي، مهمته التخطيط الدقيق لإشعال "ثورات الديمقراطية" وتدريب النشطاء وصوغ الشعارات ورسم الملصقات وتحريض الجماهير على التظاهر، وصولا لاختيار الميادين والشوارع المناسبة للتظاهر تحت أعلام بألوان مختارة، مثل اللون الزهري في جورجيا، واللون البرتقالي في أوكرانيا أخيرا، بينما تنشط المؤسسات الغربية ومعها وسائل الإعلام الجبارة، للترويج للثورة الديمقراطية، النابعة من الشارع نظريا، والمفروضة من الخارج عمليا... وقد نجحت!

وإن كنا لا نعرف حتى الآن أي الطريقين ستختاره الإدارة الأميركية في ولاية بوش الثانية للتعامل مع عام الانتخابات المصرية، فإننا نعرف أن جريان الأمور عموما، تحت تأثير المطالب الشعبية بالإصلاح الديمقراطي، وفي ظل التهديد والاختراق والضغط الأجنبي، أصبح يشكل مخاطر جمة ويضع تحديات ومسئوليات هائلة على أكتاف الجميع حكاما ومحكومين، وخصوصا الذين يرفضون الديمقراطية المستوردة المفروضة، أو الذين يراوغون تهربا من إجراء تغييرات حاسمة، وفق تفاعل اجتماعي سياسي داخلي.

فإن أردنا لمصر وللعرب خيرا، فإن عليها استباق الضغوط الأجنبية، واجهاضها قبل الهجوم الأخير، بإجراء تغييرات ديمقراطية حقيقية، تستلهم التراث الليبرالي المصري، وتستفيد من الحداثة الديمقراطية، وتستجيب للدعوات الشعبية الوطنية، وتستوعب وقائع العصر المتغير والمتسارع.

ساعتها تقدم مصر القدوة الصالحة، وتستعيد دورها المحوري، وسط أمة تتعطش للحرية والتقدم والعدل.

خير الكلام: يقول إبراهيم ناجي:

اعطني حريتي أطلق يديا

إنني أعطيت ما استبقيت شيا

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 873 - الثلثاء 25 يناير 2005م الموافق 14 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً