اتصالا بحديث الأربعاء الماضي عما إذا كان الملف النووي الإيراني يشكل قضية بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، فإن طرح ذلك يستدعي بالضرورة تحديد الاحتمالات المتوقعة لمسار العلاقات الخليجية الإيرانية في حال تعرض طهران لضربات عسكرية أجنبية سواء كانت من قبل الولايات المتحدة الأميركية أو "إسرائيل" في ضوء توتر العلاقات خلال الأيام الأخيرة بعد ظهور أنباء عن وجود قوات أميركية خاصة في الأراضي الإيرانية تقوم بمهمات استخباراتية عن البرنامج النووي الإيراني ومنشآته. بداية إن الأنباء الأميركية عن وجود هذه القوات تثير الكثير من الشكوك، وتطرح عدة تساؤلات تتعلق بتوقيت إثارتها، فهي قد برزت مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية التي توليها واشنطن اهتماما خاصا، ومن ثم فإن الدبلوماسية الأميركية قد نشطت من أجل خلق توتر خارجي مع طهران لإشغال الأخيرة عن هذه الانتخابات والتقليل من محاولات تدخلها فيها. وفي الوقت نفسه فإنه من الخطورة بمكان أن تقدم واشنطن على خطوة كهذه في ظل توافر التكنولوجيا المتقدمة للتجسس، وقدرة وكالات الاستخبارات الأميركية على تجنيد عملاء إيرانيين وتكليفهم بهذه المهمات. وفي النهاية فإنه إذا كانت هناك قوات خاصة فإنها ستكون في دول الجوار لإيران مثل باكستان وأفغانستان وأذربيجان، وليس في إيران نفسها، وهو ما نفاه كبار المسئولين الإيرانيين. وما هذه الإثارة إلا كسابقاتها لتحقيق مكاسب أميركية وقتية وقياس ردة فعل طهران التي كانت قوية جدا هذه المرة ما يؤكد جدية الإيرانيين في اتخاذ إجراءات ردع صارمة.
نأتي إلى الموقف المتوقع من دول مجلس التعاون الخليجي في حال تعرض طهران خلال الولاية الثانية للرئيس الأميركي بوش لضربات عسكرية من قبل واشنطن. مثل هذا السيناريو سيظل مرتبطا بتحسن واستقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق، فمتى ما استقرت الأوضاع هناك فإنه من شأن الإدارة الأميركية الشروع في تنفيذ المخططات المختلفة لـ "إيران المستقبل" طبقا لمنظور المحافظين الجدد. وعليه فإنه من المستبعد أن تتعرض طهران لهجمات خلال الفترة المقبلة، وإذا تعرضت فستكون من قبل أطراف أخرى غير القوات الأميركية والإسرائيلية. وفي حال القيام بهجمات أميركية ضد طهران ستكون دول مجلس التعاون الخليجي في مأزق كبير بسبب علاقاتها الحالية المتميزة مع طهران والتي لم تكن كذلك منذ اندلاع الثورة الإسلامية في ،1979 وبسبب تحالفاتها العسكرية والاقتصادية والسياسية القائمة مع الولايات المتحدة، ولذلك ستبرز أزمة كبيرة في العلاقات الإقليمية لابد من استشرافها منذ الآن ودراسة تأثيراتها المستقبلية على أمن الخليج والأطراف المعنية به. ومن ثم فإن دول المجلس ستكون في وضع محرج فهي مخيرة بين نسف علاقاتها الممتازة مع إيران لصالح الولايات المتحدة أو العكس. وحتى لوالتزمت الحياد لفترة فإنها ستجد نفسها بعد فترة من تداعيات الضربة التي نأمل ألا تحدث مجبرة على اتخاذ موقف معين قد يكون لغير صالحها.
مثل هذه التوقعات تتطلب من دول المجلس سرعة التحرك من الآن باتجاه واشنطن والقيام بدبلوماسية خليجية نشطة لإيقاف أية هجمات أميركية من شأنها أن تقوم بتغيير خريطة المنطقة على المدى الطويل، والأهم من ذلك إعلان موقف خليجي صريح من أية هجمات عسكرية أخرى متوقعة قد تشهدها المنطقة خلال الفترة المقبلة، لأنها ستساهم في إعادة ترتيب أوراق واشنطن
العدد 870 - السبت 22 يناير 2005م الموافق 11 ذي الحجة 1425هـ