ان الاختلاف بين البشر أمر طبيعي لا مناص منه ولكن لابد من وضع الضوابط التي تحكم العلاقة بين جميع الأطراف المعنية في أية مؤسسة أو مجتمع وهو ما تعرفت عليه المجتمعات الحديثة بالقوانين والأنظمة والأعراف المعتبرة، وذلك صونا للحقوق بحيث لا يطغى طرف على آخر. ومن هذا المنطلق فأقول إننا في مجلس النواب لدينا مرسوم بقانون رقم "54" لسنة 2002 بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب، وجاء في المادة الأولى منها "يباشر مجلس النواب اختصاصاته على الوجه المبين في الدستور وقانون مجلسي الشورى والنواب، ووفقا لأحكام هذه اللائحة" وفي المادة "2" "يلتزم أعضاء المجلس فيما يجرونه من مناقشات وما يتخذونه من قرارات بأحكام الدستور والقانون وهذه اللائحة". وفي المادة "5" "يؤدي كل عضو من أعضاء مجلس النواب في جلسة علنية وقبل ممارسة أعماله في المجلس أو لجانه اليمين الآتية: "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا للوطن وللملك، وأن احترم الدستور وقوانين الدولة، وأن أذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله وأن أؤدي أعمالي بالأمانة والصدق"".
ومن هذا المنطلق فلابد لكل نائب أن يحرص كل الحرص على التزام الدستور والقانون واللائحة الداخلية إبرارا لقسمه بالله العظيم.
ولما كان الأمر كذلك وبهذا الحجم من المسئولية فقد حرصت قدر استطاعتي وعلمي أن أكون وفيا لهذا القسم ما حدا بي إلى التنبيه على أية مخالفة تقع في المجلس سواء من الرئيس أو الزملاء الأعضاء مستشهدا بما ورد في اللائحة الداخلية، وهذا فيه ترسيخ لاحترام القوانين لكي نكون قدوة للشعب، والرئيس في ذلك أكثر مسئولية فهو من يمثل مجلس النواب الذي اختاره الشعب، ولكن وللأسف الشديد فقد تكررت من الرئيس جملة من المخالفات الصريحة والواضحة للائحة الداخلية التي طالما نبهته عليها اثناء الجسات وخارج الجلسات ولكن من دون جدوى في كثير من الأحيان ما حدا به إلى التضييق علي في فرصة الكلام وحتى نقطة النظام أصبح يتجاوزها كما حدث في الجلسة الأخيرة على رغم تنبيهي له بذلك عدة مرات ما أدى بي إلى الإعلان صراحة استيائي من مخالفته للقانون وعدم احترام حق النائب في الكلام وما رد به علي بعد ذلك من تهديده بمنعي من الكلام في الجلسة "وهذا أيضا مخالف للائحة الداخلية كما سأبين لاحقا" ما دفعني لحفظ كرامتي والانسحاب من الجلسة فوالله ما تعرضت لمثل هذا الموقف من قبل، أما وقد صرت نائبا فيأتي الرئيس بهذا الكلام وفي ظل هذه الظروف المحبطة والمغيظة في الوقت ذاته فهذا ما لا تسمح لي به كرامتي.
لا يفوتني في معرض حديثي ان أؤكد حبي واحترامي وتقديري لشخص الظهراني، وما أذكره في هذا البيان ليس انتقاصا أو نيلا من الظهراني فهو من هو في اخلاصه ووطنيته ونبل أخلاقه، ولكن هذا الكلام نريد به فقط الحديث عن الأخطاء لمعالجتها ولكي لا تتفاقم إلى درجة تهدد العلاقة التي تربطنا في المجلس وحتى العلاقة بينه وبين بقية النواب لأننا نريد أن نؤسس لأعراف برلمانية صحيحة - وهذا ما يكرره الرئيس بين وقت وآخر - وأن نتعاون جميعا لخدمة هذا الوطن العزيز على نفوسنا جميعا.
إنني في هذه الكلمات سأتعرض لبيان مجموعة من المخالفات الصريحة التي ارتكبها الرئيس ليس على سبيل الحصر - مستعينا بما ورد في اللائحة الداخلية وهي كالآتي:
أولا: منع طالب الحديث في نقطة نظام في بعض الأحيان وزاد في الآونة الأخيرة وهذا ما تجلى في الجلسة الأخيرة مخالفا المادة "58" التي جاء فيها "يأذن الرئيس دائما بالكلام في الأحوال الآتية: توجيه النظر إلى مخالفة المناقشة الجارية لأحكام الدستور أو قانون مجلسي الشورى والنواب أو احكام هذه اللائحة، من دون اتخاذ ذلك وسيلة للتحدث في صلب الموضوع "وهذا موضع الشاهد" ثم ذكرت المادة 3 حالات أخرى أولوية على الموضوع الأصلي، ويترتب عليها وقف المناقشة فيه حتى يصدر قرار المجلس في هذا الشأن". أي أن نقطة النظام هذه لها الأولوية المطلقة ولا يجوز الاستمرار في المناقشة حتى يتم الفصل من قبل المجلس وليس الرئيس في هذا الأمر وهذه مخالفة ثانية من الرئيس أنه هو الذي يقرر من دون الرجوع إلى المجلس وأحيانا يرجع إلى المستشار القانوني ولكن في النهاية لا يطلب رأي المجلس، وهذه المخالفة تكررت تقريبا في معظم نقاط النظام التي كان يفصل فيها لوحده من دون الرجوع إلى المجلس.
ثانيا: اشتراطه للتثنية من أحد النواب على مقترح النائب الذي قدم اقتراحا اثناء الجلسة عند مناقشة مشروعات القوانين أو غيرها من الموضوعات بحيث يستبعد الاقتراح غير المثنى عليه، وهذا مخالف لصريح المادة "105" من اللائحة إذ جاء في الفقرة الثانية "ويجوز بموافقة المجلس النظر في التعديل الذي يقدم قبل الجلسة مباشرة أو اثناءها، ويصدر قرار المجلس بنظره أو استبعاده بعد سماع مقدم الاقتراح إن كان لذلك محل من دون مناقشة. فإذا أقر المجلس النظر في هذه التعديلات، عرضها الرئيس على المجلس وله أن يقرر بحثها في الحال أو احالتها إلى اللجنة المختصة لبحثها واعداد تقرير عنها" وهكذا نرى أن الآلية التي حددتها اللائحة لم يلتزم بها حسب ما رأيت في أي جلسة من الجلسات إذ إنه أولا يشترط التثنية، وهذه ليس لها وجود لا في الدستور ولا في اللائحة وقد أكد ذلك المستشار القانوني في إحدى الجلسات التي كان الرئيس غائبا عنها وأخبرته بذلك في أثناء الجلسات وبعدها مرارا وتكرارا ولكنه أصر على موقفه وقال لي "الذي قال لك ذلك مخطئ" ومازال مصرا على الخطأ نفسه! فالآلية الصحيحة هي طلب رأي المجلس بنظر الاقتراح أما استبعاده بعد سماع مقدم الاقتراح فإذا أقر المجلس النظر في هذه التعديلات عرضها الرئيس بعد ذلك على المجلس مرة أخرى الذي يقرر بعد ذلك إما بحثها في الحال أو احالتها للجنة المختصة مخالفا لأحكام المادة "12" التي جاء فيها "وله ؟؟؟ الكلام في أي وقت إذا رأى في ذلك فائدة لنظام المناقشة أو لإيضاحها" أي أن كلامه هنا يكون محصورا في نظام المناقشة وإيضاحها وليس الكلام في صلب المناقشة بدليل ما جاء في نهاية هذه المادة نفسها وهو كالآتي "ولرئيس المجلس أن يشترك في المناقشات، وعندئذ يتخلى عن رئاسة المجلس، ولا يعود إلى منصة الرئاسة حتى تنتهي المناقشة التي اشترك فيها" وللأمانة فقد طبق الرئيس في بداية دور الانعقاد الأول والثاني فيما أذكر هذا الأمر جزئيا؛ أي تخليه عن الرئاسة مدة اشتراكه في المناقشة بطرح مداخلته فقط وليس حتى انتهاء المناقشة كما جاء في المادة، ووجدناه في الفترات الأخيرة يقول "إذا سمحتم لي ويتحدث" وهذا أمر لا يجوز السماح به حتى لو صوت عليه المجلس لأن اللائحة لم تعط المجلس هذا الحق وإنما انفردت بتنظيمه والنص عليه قولا واحدا.
رابعا: منعه للنائب محمد عباس آل الشيخ من الكلام في احدى الجلسات من دون أخذ رأي المجلس ثم سماحه له بالكلام بعد فترة في الجلسة نفسها وهذه ممارسة مخالفة للمادتين "66" و"67" والتي جاء فيها "إذا لفت الرئيس نظر المتكلم طبقا لأحكام المادتين السابقتين ثم عاد في ذات الجلسة إلى الخروج على نظام الكلام، فللرئيس أن يعرض على المجلس منعه من الكلام في ذات الموضوع أو حتى انتهاء الجلسة ويصدر قرار المجلس في ذلك من دون مناقشة" المادة "67" "للمجلس بناء على اقتراح رئيسه أن يتخذ قبل العضو الذي أخل بالنظام أثناء الجلسة أو لم يمتثل لقرار المجلس بمنعه من الكلام، أحد الجزاءات الآتية: أ- المنع من الكلام في موضوع معين بقية الجلسة. ب- الانذار. ج- اللوم. د- الحرمان من الكلام بقية الجلسة. هـ - اخراجه من قاعة الاجتماع مع الحرمان من الاشتراك في بقية أعمال الجلسة. و- الحرمان من الحضور في قاعة الاجتماع لجلسة واحدة. ز- الحرمان من الاشتراك في أعمال المجلس ولجانه مدة لا تزيد على أسبوعين. ويصدر قرار المجلس بتوقيع أحد الجزاءات السابقة في الجلسة ذاتها من دون مناقشة وبعد سماع أقوال العضو إذا اقتضى الحال ذلك"... الاعفاء من الكلام في الموضوع ذاته أو حتى انتهاء الجلسة إلا بالرجوع إلى المجلس فهو الذي يقرر ذلك، وحق الرئيس محصور في اقتراح المنع وكذلك بالنسبة إلى الجزاءات. وهذا من حكمة المشرع حتى لا يستبد الرئيس بقراره وهذا ترسيخ لمكانة المجلس ككل ولمكانة أعضائه واحترامهم، ولكن للأسف هدد الرئيس في الجلسة الأخيرة بمنعي من الكلام ولم يكن عندي من الصبر أو الرغبة في بيان مخالفته للائحة الداخلية حتى في هذه الجزئية!
خامسا: السماح بالحديث في موضوع غير مدرج على جدول الأعمال إذا رأى هو ذلك سائغا وقد حدث عدة مرات أن سمح للبعض بتقديم كلمات شكر وثناء وغيرها والأدهى من ذلك في الجلسة الأخيرة من دور الانعقاد الثاني إذ شرع في إلقاء كلمة ثم سمح للنواب بالحديث لمدة تقارب ساعتين وفي نهاية الكلام اقترح على المجلس اسقاط جميع القضايا المحالة إلى لجنة الشئون التشريعية والقانونية والتي منها قضايا خطيرة ترتبت عليها فتن عظيمة كتسريب مقترح منع الشعائر خارج دور العبادة وقضية طعن بعض النواب في أمانة ونزاهة أعضاء لجنة الخدمات وغيرها من القضايا المهمة التي كان ينتظر من اللجنة اعداد تقاريرها ورفعها إلى المجلس ليتخذ القرار المناسب حيالها ولكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح إذ صوت المجلس على الموافقة بإسقاط هذه القضايا، وهذا باطل من وجوه عدة أولا: الحديث من بدايته إلى نهايته غير قانوني لأنه لم يتم عبر الآلية التي نظمتها اللائحة الداخلية في المادة "51" "لا تجوز المناقشة في موضوع غير وارد في جدول الأعمال إلا للأمور المستعجلة، وتحت بند ما يستجد من الأعمال، ويكون ذلك بناء على طلب الحكومة أو الرئيس أو طلب كتابي مقدم من خمسة أعضاء على الأقل. ويشترط في جميع الأحوال موافقة المجلس على الطلب، وللوزير المختص أن يطلب تأجيل النظر في الموضوع المثار لأول مرة على النحو المقرر في شأن الأسئلة ولو كانت مناقشته قد بدأت... ويصدر قرار المجلس في هذه الطلبات من دون مناقشة، ومع ذلك يجوز للرئيس أن يأذن بالكلام لواحد من مؤيدي الطلب وواحد من معارضيه لمدة لا تزيد على خمس دقائق لكل منهما وذلك قبل إصدار المجلس قراره" هذه المادة لم تتم مراعاتها فإذا ما دار فيها يعد غير قانوني وباطلا وبالتالي فإن قرار اسقاط القضايا المحال للجنة الشئون التشريعية والقانونية هو قرار باطل كأنه لم يكن لأن ما بني على باطل فهو باطل. ثانيا: إن هذه القضايا المحالة ترتبط بحقوق نواب وحقوق عامة للمجلس كذلك، فما كان مرتبطا بحق نائب أو مجموعة من النواب لا يجوز اسقاطه إلا بإذن منهم هم وحدهم لأنهم هم اصحاب الحق، فكون هذا يحدث بخلاف ارادتهم وهم اصحاب الحق فيه مصادمة للعدالة.
في الحقيقة هذه بعض المخالفات وإلا لو دققنا في مضابط الجلسات لوجدنا كما كبيرا من الاخطاء ولكن اقول في نهاية هذا البيان ان الخلاف بيني وبين الظهراني فقط في إدارة الجلسات تحديدا وبالذات في مسألة اعطاء حق الكلام للنائب حيث تتكرر المخالفة ويصر عليها في أحيان تقل أو تكثر والواجب عليه حقيقة أن يتقبل بصدر رحب كل تصحيح للأخطاء ينبهه عليها أي كان، بل الواجب أن يقدره ويشكره لا أن يرى ذلك تشويشا عليه أو انتقاصا من شأنه أو تقليلا من قدره - لا سمح الله - كما اقترح عليه دوام مراجعة اللائحة الداخلية مستعينا بالمستشار القانوني للمجلس الذي اقترح ايضا ان يجمع الاخطاء ونقاط النظام المثارة في الجلسات وحتى الأمور التي يلاحظها هو لتنبيه الرئيس عليها بعد ذلك، كما وأذكر الرئيس بأهمية اعطاء النائب حقه في الكلام وأذكره بالمادة "52" والتي فيها "لا يجوز للرئيس أن يرفض الإذن بالكلام إلا لسبب تقتضيه أحكام هذه اللائحة، وعند الخلاف على ذلك يعرض الأمر على المجلس لإصدار قرار فيه من دون مناقشة" فعندما يختلف مع أحد النواب أو مجموعة منهم فيجب عليه عرض الأمر على المجلس ليقرر لا أن يقرر هو بنفسه، كما أذكر الرئيس بعدم مقاطعة المتكلم ما دام ملتزما بأحكام اللائحة الداخلية، وحتى لو أراد المقاطعة فتكون بطريقة تحفظ للنائب احترامه لا أن تكون بطريقة التسكيت أو الدخول في كلام آخر وتجاهل النائب بل يجب أن يعطى النائب حقه للدفاع عن موقفه فما الخوف والضير في ذلك والنائب مسئول عما يصدر منه من أقوال وأفعال ويحاسب عليها وفق القانون، فلربما رأى الرئيس أن النائب عن نفسه وموقفه فإذا حدث الاختلاف أخذ رأي المجلس وهكذا لا يحدث تصادم بين النائب وبين الرئيس بل يكون الأمر إلى المجلس وهذا أدعى إلى القبول ويجب على النائب والرئيس كذلك ان يرضيا بقرار المجلس فهذه أصول العمل البرلماني القائم على احترام رأي الغالبية والعمل به.
كما اذكر الرئيس بأهمية مراعاة مشاعر النواب وأن يحرص على تهدئة الأجواء لا الإصرار على الأساليب التسكيتية التي تهين النواب وتثيرهم. إن مجلس النواب يجب ان يكون انموذجا يحتذى به في حرية التعبير والرأي فهذه حقوق كفلها الدستور واذا كان النواب يتعرضون للقمع والتسكيت وهم في مجلسهم فماذا يكون حال الناس خارج المجلس وهم من انتخبوا هؤلاء النواب.
أؤكد في خاتمة هذا البيان على حبي وتقديري واحترامي لأخينا الكبير خليفة أحمد الظهراني وأن ما ذكرته هو من باب الرأي والرأي الآخر ومن باب التناصح لمعرفة الصواب والالتزام به، راجيا أن يكون هذا البيان خطوة في الطريق لتصحيح المسار خصوصا وان هذا المجلس مازال رطب العود حديث التجربة. كلنا يتعلم منه فلابد أن نكون منفتحين على الآخر لسماع كل رأي مهما اختلفنا مع صاحبه لأننا متفقون دائما على مصلحة الوطن والمواطنين، ولكي نثبت للجميع اننا دائما ممن يتبنى الحوار البناء ويتسع صدره للآخرين وهذا هو الأساس لتطوير وبناء المجتمع مستظلين بالمشروع الاصلاحي لجلالة الملك حفظه الله ومستلهمين قيم ومبادئ الدين الاسلامي الحنيف التي هي أساس نهضتنا وعزتنا وقوتنا متلاحمين مع القيادة الكريمة لتحقيق مصلحة الوطن والمواطنين جميعا
العدد 867 - الأربعاء 19 يناير 2005م الموافق 08 ذي الحجة 1425هـ