قبل أسابيع قليلة كان الملف النووي الإيراني يشكل قضية دولية تناقشها الدوائر الغربية والأوساط الأكاديمية في الخليج والغرب. ولكن الاهتمام بهذا الموضوع لم يكن جادا وكبيرا بالنسبة إلى الأكاديميين والباحثين الخليجيين بقدر ما كان موجودا لدى نظرائهم الغربيين، مثل هذه الملاحظة لفتت الانتباه خلال ورشة عمل أقامها مركز الخليج للأبحاث بدبي قبل أسبوعين عن مستقبل العلاقات الخليجية - الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية. ويبدو من هذه المفارقة أن الملف النووي الإيراني لا يشكل قضية أصلا لدول مجلس التعاون الخليجي التي تعيش مرحلة تقارب متميزة في علاقاتها مع طهران من الناحية التاريخية، ودليل ذلك عدم وجود مواقف صريحة ومعلنة من قبل معظم دول المجلس تجاه المساعي الإيرانية لامتلاك قوة نووية للأغراض العسكرية، بل ما يظهر عادة في البيانات والتصريحات الرسمية هو مجرد تأكيد لرفض دول مجلس التعاون انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الخليج لأغراض أمنية واستراتيجية نظرا إلى ما تشكله المنطقة من أهمية جيوبوليتيكة للاقتصاد العالمي، ومن ثم فإن دول المجلس تطالب باستمرار بالحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل عن طريق توقيع الاتفاقات الدولية في هذا المجال، وتأكيد ضرورة إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أية برامج نووية للأغراض المدنية. وبالتالي يعتبر الملف النووي الإيراني قضية مختلقة من قبل الولايات المتحدة و"إسرائيل" بهدف تحقيق عدة أهداف على المدى القصير مثل إشغال الرأي العام الأميركي والعالمي بالتهديدات الإيرانية لأمن الخليج في ضوء تفاقم الأوضاع في العراق، وكذلك لتحقيق أهداف أخرى على المدى الطويل تتمثل في محاصرة الجمهورية الإسلامية تمهيدا لسيناريوهات المستقبل التي قد تتضمن تغييرا خارجيا للنظام الثيوقراطي كما هو الحال للنظام العراقي البعثي السابق.
في منتصف التسعينات قرأت دراسة مهمة لأحد الباحثين العرب تتناول السياسة الإيرانية تجاه أمن الخليج، وقد ركز الباحث اهتمامه على تحليل الثابت والمتحول في الأمن الإقليمي للمنطقة، ومن أبرز النتائج التي خلص إليها أن هناك مساعي إيرانية تاريخية تعود إلى مرحلة الشاه لامتلاك القوة النووية لضمان التفوق في ميزان القوى الإقليمي، ومن ثم الهيمنة على الخليج. وعلى رغم سرد الباحث الأدلة والتحليلات القيمة في تلك الدراسة، فإن طرح مثل هذه الموضوعات في الوقت الراهن لن يخدم ألبتة المصالح العليا للتقارب الخليجي الإيراني غير المسبوق. وهذا التقارب لم يأت بعد عقدين تقريبا من اندلاع الثورة الإسلامية إلا ليستمر بسبب ترابط العلاقات الإقليمية الخليجية بأمن المنطقة برمته، وبسبب تزايد تفاعلات العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الطرفين.
من هنا يمكن القول إن الملف النووي الإيراني مازال بعيدا عن أن يكون قضية حقيقية لدول مجلس التعاون، ويجب عدم المبالغة في تشخيصه واستشراف مستقبله. على أن كل هذا لا يمنع القيام بمتابعة وتحليل مستمر لتطور هذا الملف، وكيفية تعامل الدبلوماسية الإيرانية مع الضغوطات الدولية التي تواجهها، بالإضافة إلى تحليل الدوافع الأميركية لإثارة هذا الملف في الوقت الذي لا تبدي دول الاتحاد الأوروبي الاهتمام ذاته، بل تسعى دائما للوساطة ومعالجة أية أزمات قد تنشأ مثل الجهود الناجحة للترويكا الأوروبية. وكل هذا لابد من معرفة آثاره في المحيط الخليجي وانعكاساته على العلاقات الخليجية - الإيرانية. وللحديث صلة
العدد 866 - الثلثاء 18 يناير 2005م الموافق 07 ذي الحجة 1425هـ