نعم، يا سبحان الله، عجيب غريب أمر هؤلاء النواب الذين لا هم لهم سوى أنفسهم ومصلحتهم الشخصية ولا شيء سوى مصلحتهم الشخصية، فهم في فلكهم يسبحون، فتارة نجدهم يصرخون من أجل استصدار لهم ولعوائلهم الكريمة جوازات دبلوماسية وكأنما غاية الأمر لا تكون إلا بالجوازات الدبلوماسية، وتارة يقيمون الدنيا ولا يقعدونها ويستعرضون عضلاتهم في سبيل إقرار تأمين اجتماعي لهم، وكأنهم علموا مسبقا بأنهم لا يمكن أن ينتخبوا مجددا، وبالتالي الحرص كل الحرص على الامتيازات وقبل فوات الأوان، ناهيك عن العلاوات التي تحدثوا عنها كثيرا إلى أن حصلوا عليها، وآخر المقالب وليست آخرها قضية التأمين الصحي التي ملأوا فيها الدنيا صراخا وعويلا، وحجتهم في ذلك في كل مرة ينطلق عندها مشروع رأس ماله النائب نفسه بأن أحوال النواب في الدول العربية هكذا، ونحن نقول ونؤكد أيضا أن حال المجلس الوطني وإفرازاته نريده أن يكون مثل باقي المجالس الوطنية في باقي الدول العربية، فكما يحلو لكم أن تقيسوا مدى الامتيازات التي تحصلون عليها أو ربما تستحقونها من عدمها مقارنة بالدول العربية نحن أيضا نؤكد على المبدأ ذاته من حيث الإنجازات والأداء، فهل إنجازاتكم تماثل إنجازات المجالس الوطنية في الدول العربية؟ وهل أداؤكم يوازي أداء برلمانات الدول العربية؟ أشك في ذلك، ولو كان كذلك لوجدنا استقالات وانسحابات بالجملة، فنحن في نهاية المطاف نراهن على نتائج ولا نراهن على صراخ وعويل، لأن هذا لا يعد سوى ظاهرة صوتية تنتهي وتزول. لا نريد الصفر هذا يظل طويلا فمنظر الصفر مؤذ جدا، وبسبب حداثة التجربة ينظر العالم إلينا نظرة مراقب. نريد إنجازات، نريد أن نرى قوانين وتشريعات في صالح المواطن، نريد وقفات مع القضايا الوطنية يسبقها وقفات صادقة مع الذات، فكم من الملفات الوطنية أضعناها بسبب ضعف الأداء وعدم صدق النوايا؟ وأضرب مثالا على ذلك: "صندوقي التقاعد والتأمينات"، بعد أن كان بمثابة الفرصة الذهبية لإثبات صدق النوايا، لا نريد أنصاف حلول أبدا، فقضية تعويض الصندوقين ما كان يجب أن يكون من خلال المال العام، وإنما من خلال متابعة المسألة ومحاسبة المتسببين في ذلك، لا أن يتم بتسوية وفي عقر المجلس التشريعي، وآخر المطاف نستيقظ على نتيجة مرعبة ومخجلة في آن واحد "صفر" في التشريع. والسبب يكمن في الأداء برمته، من خلال التركيز على القوانين برغبة والتي تستفيد من خلالها فئة بسيطة محدودة كالنقاب أثناء السياقة، إطلاق اللحية... وغيرها من القضايا التي تكلم عنها الناس هنا وهناك وسببت انقسامات داخل المجلس من دون داعي لإثارتها. فلم ننس مثلا "بيان الفلوجة" وما تبعه من تداعيات، كما لم ننس قضية "نانسي عجرم"، تاركين وراء ظهورنا الملفات العالقة والتي تحتاج منا إلى صولات وجولات. نقول لهؤلاء ان المجالس الوطنية في الدول العربية استطاعت أن تقر لائحتها الداخلية وأن تمضي قدما باتجاه أجندتها. ولعلي أعلم إذا لم تخني الذاكرة، أنهم إلى الآن لم يقروا لائحتهم الداخلية، وبالتالي يتبعها تخبط في الأمور التنظيمية وغيرها الكثير.
إذا، كان هذا الطرح الذي يستخدم من قبل النواب الكرام فالخوف كل الخوف مما سيحدث في المستقبل، من أمان وتطلعات طموحة، فقد رسموا مستقبلهم بخطوط مفصلة على عكس مصلحة المواطن، وهم بذلك يبذلون الغالي والنفيس في سبيل تحقيق ذلك حتى وإن كان ذلك على حساب قواعدهم الشعبية، وهم بذلك يعدون العدة والعتاد في سبيل تأمين مصالحهم، حتى لا يتضرروا من جراء عدم ترشيح أنفسهم أو عدم حصولهم على أصوات كافية في الدورة المقبلة، فقد عرف الناس مستواهم وأنانيتهم المفرطة، على رغم أن هناك من يؤكد أن هؤلاء النواب وللأسف الشديد لا يجدون غضاضة في أن يرشحوا أنفسهم مجددا تحت حجة أننا لم نستطع تحقيق شيء للناس، لا لأننا غير قادرين أو لضعف منا، وإنما بسبب إحكام سيطرة الحكومة على المجلس وعدم توفر الصلاحيات وعدم استقلالية المجلس. ونقول لهؤلاء إن هذا الأمر كان واضحا جليا كوضوح الشمس ولا يعد ذلك في سياق التبريرات المقنعة، لذلك لم يكن الباب مشرعا لكل من هب ودب وانما كان الباب مفتوحا فقط للكفاءات العالية القادرة على مواجهة ومجابهة الحكومة فقط التفكير في الدخول. أما الذين يرون أن دخولهم يحقق من خلاله مصلحة شخصية أو ربحا شخصيا خابت حساباتهم وظنونهم، وخسر فيها أيضا اسمه ومكانته الاجتماعية. ولا ننسى أن الناس سيتحملون فترة لا تتجاوز الأربع سنوات، حينها سيظهر الناس - شاءوا أم أبوا - شيئا من الاحترام للنائب، ولكن ما أن تنتهي السنوات الأربع حتى يجد النائب نفسه في وضع لا يحسد عليه، فبدلا من سعادة النائب سيجد اللوم والتوبيخ، وعجزه حوله من نائب محترم إلى إنسان لا حول له ولا قوة، عندها سيرجع كل نائب إلى حجمه الطبيعي. واختبار البالون مفيد جدا لعامة الناس، والغريب أنهم لم يعملوا حسابا لذلك اليوم، ولا يدرون ما هي مصلحة المواطن، أصلا لا يفقهون التمثيل الشعبي، فكل ما يعرفونه إن فكروا في يوم ما في مصلحة المواطنين الذين يمثلونهم، فهم بالتالي يتكلمون عن دغدغة مشاعر الناس. وحفظنا الدرس جيدا عن ظهر قلب، والناس ليسوا بحاجة إلى دغدغة مشاعر لا تسمن ولا تغني من جوع، وانما بحاجة إلى تلبية حاجات ومطالب، وهم بالتالي لا يجدون بدا من مخاطبة ممثليهم والذين تم إختيارهم، من خلال التصويت عليهم.
فلولا الخبز لما عبد الرب، الناس تموت جوعا وتموت حسرة في اليوم أكثر من مرة في الوقت التي تختلف فيها أجندة النواب 360 درجة، كأنهم يعيشون في الاسكيمو، غير معذرين البتة في ذلك، ونسوا أنهم لكي يشعروا بالناس ويتفاعلوا مع قضاياهم لابد أن يكونوا بالقرب منهم لكي يشعروا بمعاناتهم، لا أن يبحثوا عن أسباب البذخ والترف سيارات فارهة... فيبعدهم مسافة أكبر من المسافة التي تبعدهم عن الناس.
البعد الآخر الحكومة أساسا تقف بالمرصاد للمجلس الوطني، وهذا ما تم استشرافه عند دراسة مسألة المشاركة أو المقاطعة، فقد علمت القوى السياسية المقاطعة بأن دخولها بهذا الشكل من التقييد لا يمثل استحقاقا وطنيا، وبالتالي فإنهم سيواجهون حربا ضروسا مع الحكومة، قوامها أن الحكومة تملك كل شيء، فهي السلطة التنفيذية وهي السلطة القضائية وهي السلطة التشريعية، وتعلم بأنها لا تملك الدور الرقابي والتشريعي من خلال وجود مجلس معين مشارك لها في كل شيء متساو معها في العدد والصلاحيات، وتعلم جيدا أن الصعوبات والتحديات أكبر بكثير، وبالتالي لم يقبلوا الدخول، وهم لا يملكون التأثير والتغيير من الداخل ففضلوا عدم الدخول، ومراقبة الأداء من الخارج، فكل ما يدور الآن متوقع وخصوصا مع وجود كفاءات ضعيفة هزيلة، والغريب ان الدور المرتقب من الحكومة كان خلاف ما هو حاصل حاليا، فكان متوقعا من الحكومة أن تقف وقفة دعم ومساندة للمجلس الوطني حتى تثبت للمقاطعين بعدم صحة موقفهم، وبالتالي عدم دخولهم لا يعني الشيء الكثير وإن أمور المجلس تمشي وعلى أحسن ما يرام حتى مع وجود المقاطعة ألا أن الحكومة نجدها تفاجئ الجميع، إذ تقف بالمرصاد للنواب وتؤكد بين الفترة والأخرى من خلال تصريحاتها أنها غير راضية من أداء النواب، وبالتالي نفهم بأنهم بحاجة إلى دعم ومساندة من قبل الحكومة
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 864 - الأحد 16 يناير 2005م الموافق 05 ذي الحجة 1425هـ