يؤكد علماء النفس والاجتماع أن الأطفال الذين ينشأون بين آباء محبين لأبنائهم وديمقراطيين في تعاملهم معهم ويشجعون روح الاستقلال لديهم ويتفقون في أسلوب معاملتهم كما أنهم يثقون في القيم الاجتماعية التي يربون أبناءهم عليها. .. فإنهم يكونون في مرحلة المراهقة أكثر تحملا للمسئولية... يؤمنون بالمبادئ الخلقية ويمتلكون إرادة قوية... ولا يميلون الى النصائح وانما يمتصون قيم آبائهم من خلال تعاملهم معهم أثناء سنوات مراهقتهم.
اما اذا عاش الابناء بين آباء متسلطين على أبنائهم... لا يريدون لهم ان يستقلوا بشخصياتهم ولا يوجد اتفاق بينهم على تربية أبنائهم كما انهم غير واثقين من القيم التي يربون أبناءهم عليها... فإن هؤلاء المراهقين يعانون من القلق والاكتئاب ويضخمون ما يصابون به من احباطات بسيطة.
لكن ماذا يحدث للطفل من تغير في تفكيره الاجتماعي عندما يكبر ويدخل مرحلة المراهقة؟
لاحظ علماء النفس والاجتماع ان حاجته تزداد الى ان ينتمي الى جماعة أخرى غير أسرته لانها لم تعد تشبع جميع احتياجاته الاجتماعية... وطبعا ستكون علاقة المراهق بأصدقائه مختلفة عن طبيعة علاقته بأسرته من خلال النقاط الآتية:
1- علاقته بأسرته مفروضة عليه ودائمة... بينما علاقته بأصدقائه يحددها بنفسه وقابلة للتغيير.
2- الصداقة توسع الخبرة التي يحتاج إليها المراهق بطريقة لا تساعد عليها في الغالب العلاقات الأسرية.
إذا يميل المراهق الى اصدقائه ما بين سن 12 سنة و18 سنة أكثر من ميله إلى أسرته... كما نلاحظ انه يرى في بداية سنوات مراهقته في الصداقة نوعا من الزمالة القائمة على الاشتراك في نشاطات معينة... لكنها تزداد أهمية في نفسه عندما يتقدم في سنوات مراهقته.. ويعتقد الكثير من الباحثين الاجتماعيين ان المراهقين يكونون مجتمعا خاصا بهم له معاييره وقيمه ونظمه الخاصة النابعة من أحاسيسهم المشتركة بينهم والنابعة من محيطهم الذي يعيشون فيه... إذ لاحظ عالم اجتماعي يدعى "كولمان" من خلال دراسة أجراها على طلبة في المدرسة الثانوية... انهم يكونون نظاما خاصا بهم... فيشترطون مثلا على من يريد الانضمام اليهم... ان تكون لديه قدرة رياضية... أو يمتلك قدرة على القيادة الجماعية... كما أنه لاحظ تشابها في طريقة ارتدائهم ملابسهم وحبهم للموسيقى... ولاحظ كذلك انهم يحملون ولاء واخلاصا للجماعة التي ينضمون اليها.
لكن هل معنى هذا أن الآباء يفقدون تأثيرهم على أبنائهم؟
يؤكد هذا العالم ان تأثر المراهق برفاقه لا يعني فقدانه لتقدير والديه. ويرى عالم آخر يدعى "كورتيس" ان المراهق يتأثر بآراء والديه أكثر في سنوات مراهقته المتأخرة... وحتى لو تأثر بآراء رفاقه، فإنه لو خير بين صداقته أو رضى والديه فإنه سيختار والديه.
لكن متى يزداد تأثير الرفاق على المراهق ومتى يزداد تأثير والديه عليه؟
لاحظ علماء الاجتماع انه خلال السنتين الأوليين من سنوات حياة المراهق يطيع اصدقاءه أكثر مما يطيع والديه... لكن ذلك يقل بالتدريج عندما يكبر لانه سيجد لنفسه مجالا يشتق منه تقديره لنفسه... مثل التفوق في الدراسة اوفي لعبة رياضية أو غيرها من الهوايات... هذا الى جانب زيادة نضجه العقلي ووعيه الاجتماعي... ما يجعله يقيم علاقته بأصدقائه على اساس التعاون... لا المسايرة أو الطاعة.
كما نلاحظ ان المراهق قد يتأثر بأصدقائه فيما يتعلق بالعادات السطحية... مثل التدخين والتغيب عن المدرسة وتعاطي الكحول والمخدرات... لكنه يتأثر بوالديه فيما يتصل بالعقائد والقيم الاجتماعية... الا اننا سنجد هنا أن المراهق عندما يجد الحب والرعاية والاهتمام من والديه فإنه سيقتدي بهما أكثر مما يقتدي بأصدقائه... لكنه اذا وجد إهمالا وقسوة في المعاملة منهما فإنه سيميل الى التأثر أكثر برفاقه
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 862 - الجمعة 14 يناير 2005م الموافق 03 ذي الحجة 1425هـ