على خلاف الأعمال التلفزيونية الدرامية التي تستمد مادتها الأدبية من بطون الكتب والمراجع التاريخية لتعمل على اعادة صياغتها وهيكلتها لتتناسب مع القالب الفني والرؤية الخاصة للأرضية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لفترة من الفترات ووفق بنية حكائية تحور عادة الكثير من التفاصيل الدقيقة لما جاء في تلك المراجع، يعتمد العمل الدرامي (ومضات من تاريخنا)، والذى كتب قصته الدكتور «محمد حسن الحمصي» وأعد السيناريو والحوار «محمد عبدالطيف نداف» ويخرجه الفنان «سالم الكردي»، على النقل الدقيق والحرفي لمجموعة من القصص التي اختارها الكاتب من عصور مختلفة ليبثها مجموعة من الأفكار والقيم الاجتماعية التي نادى بها المجتمع العربي من خلال مسيرته الحضارية الطويلة، وعمل على تكريسها في أبنائه ليكونوا نواة حقيقية لمجتمع خير يقوم على العدل والخير والتسامح، محاولا في ذلك الابتعاد قدر الامكان عن تغيير حتى أدق التفاصيل، التي قد تكون أدعى إلى التهميش في كثير من الحالات المشابهة، الا ما اقتضاه العمل الدرامي وصعب تحقيقة ضمن مجموعة الشروط المهيئة للعمل، ولعل ذلك يشكل تحديا صعبا لكل من تلك الكتب التي ستتعرض إلى دراسة خاصة عن طرائق تناولها للحادثة بصفته جزءا من الحياة اليومية لمجموعة شخصياتها، ولطاقم العمل الذي آثر أن يقف امام عمل يتميز بالجمود النوعي لمادته الأولية ومحتواه النصي، كل ذلك بهدف نقل الواقع بصفته واقعا من دون الحاجة إلى مزجه بالخيال الذي قد تقود اليه الحكاية. عن (ومضات من تاريخنا) تحدث الكاتب «محمد حسن الحمصي» لـ «الوسط» قائلا: لأنني أعتقد أن الدراما وعاء يستطيع المفكر، أو الأديب، أن يملأه بالمادة التي يريد والتي يرى فيها ضرورة حقيقية ومنطقية للواقع المعاش من قبل مجموعة من أفراد المجتمع، فقد أردت أن أوجه الدراما لتكون وسيلة تربوية بالدرجة الأولى، وطريقة جذابة للامتاع والمؤانسة بالدرجة الثانية فنحن نعيش في عصر مضطرب على مختلف الأصعدة، فالعالم يحكمه منطق الاقوى الذى تمثله في هذه المرحلة قوى هي اقرب إلى الشر، ومجتمعنا العربي مضطر بصفة عامة إلى مواجهة هذه القوى، ولكي يحقق ذلك عليه بالتكاتف والتعاون وتجاوز المصلحة الفردية إلى صالح المجتمع، فهو بحاجة إلى احياء القيم والاخلاق والعادات الخيرة هي الموجودة في عصرنا الحاضر والمغيبة نسبيا، فالأدعى تسليط الضوء عليها، ومن خلال القصص الاثني عشر التي اخترتها حاولت أن أحاكي الخير الموجود في داخل أبنائنا عبر قصص حقيقية غير مضاف عليها، فعسى أن يستفيدوا منها ويتخذوا من شخصياتها الخيرة قدوة يحاولون الاحتذاء والافادة من جوانبها الايجابية. أما مخرج (ومضات من تاريخنا) الفنان «سالم الكردي» فقد قال لـ «الوسط»:العمل يحتوى على اثني عشر عنوانا تتحدث في مجملها عن عادات وقيم وتقاليد كاد هذا الزمن أن يجعلها في عالم النسيان، عناوين تدعو إلى الحب والتسامح والعدل والصدق والايمان بالوطن، ربما معظم أعمالنا، أو لنقل الكثير منها أصبح يميل إلى القصص المشوقة بعيدا عن المضمون الفكري الهادف، فليس من الخطأ أن تذكر المشاهد بومضات جميلة وحقيقية من تاريخنا كاد هذا الزمن الردى أن يطفئها، ولعل الجميل في هذه القصص وحدة الإطار الشفاف الذى يضمها، اضافة إلى الحكاية المحملة بالعبرة والمغزى لانه ينبهر بالصورة على حساب المضمون، وبعد وقت قصير قد ينسى ما رآه جملة وتفصيلا، أما الجديد في عملنا هذا فهو على صعيدين، الأول كونه يعتمد الصدقية التاريخية والتوثيق الدقيق للتفاصيل، الأمر الذي يدعو إلى ايجاد صيغة اخراجية تخرج العمل من الجمود الذي قد يهدده، والثاني يتعلق بالناحية الانتاجية، اذ انها خطوة جريئة لمؤسسة انتاجية فنية جديدة أن تقدم على انتاج عمل درامي قد تجد بعض المحطات العربية تحفظا في عرضه كونه يعتمد هذه الواقعية العالمية في نقل وقائع الحوادث. يلعب بطولة مسلسل (ومضات من تاريخنا) مجموعة كبيرة من الفنانين السوريين، في المقدمة منهم الفنان الكبيرة «سليم كلاس» والفنان المبدع «عبدالرحمن أبوالقاسم».
العدد 86 - السبت 30 نوفمبر 2002م الموافق 25 رمضان 1423هـ