العدد 86 - السبت 30 نوفمبر 2002م الموافق 25 رمضان 1423هـ

الموازنة في توزيع السلطات والمسئوليات بين المناطق والقوميات

عن حكومة باكستان المدنية الجديدة

أحمد ابراهيم comments [at] alwasatnews.com

بعد أكثر من ثلاث سنوات على انقلاب أكتوبر/ تشرين الأول 1999 شهدت باكستان تشكيل حكومة مدنية منتخبة تنشد الحكم المدني والديمقراطية، وإن كانت «ديمقراطية موجهة»، وبنسخة معدلة عن تجربة الستينات والسبعينات، إذ ركنت ولا تزال مؤسسات الدولة، بما فيها الجمعية الوطنية - البرلمان، إلى العسكر وتفيأت ظلاله الثقيلة، أكثر من نصف عمر باكستان (55 عاما) قام بالجنرالات وانقلاباتهم العسكرية.وكشفت مخاضات ولادة الحكومة الجديدة خلال الاسابيع الخمسة التي تلت الانتخابات التشريعية، في 10 أكتوبر الماضي، تعاظم نفوذ المؤسسة العسكرية وثقلها في ادارة وتوجيه حركة الاستقطابات والتحالفات بين جماعات وأحزاب البرلمان. ودارت رحى المعركة واحتدم الصراع للفوز برئاسة الحكومة بين قطبي البرلمان وكتلتيه الكبيرتين: الرابطة الاسلامية - جناح قائد، ومجلس العمل المتحد. وفازت الاولى بتشكيل الحكومة، ويأتي فوزها ليس قصرا على اعتدالها ووسطيتها بين اشتراكية وعلمانية حزب الشعب الباكستاني والأصولية الاسلامية، بل لميولها وموالاتها للمؤسسة العسكرية كما شهدت لها التظاهرات والمسيرات في دعم الرئيس برويز مشرف وتأييده، بدءا بانقلابه العسكري في العام 1999 إلى التحالف والولايات المتحدة في محاربة الارهاب مرورا بقرار تعيينه الرئاسي العام الماضي. وتكتمل الصورة وتزداد معالمها وضوحا بإبراز مواقف واتجاهات الكتلة البرلمانية الثانية وهي تحالف ستة أحزاب اسلامية أصولية تقف موقفا متشددا تجاه العسكر وسلطاته السياسية الواسعة. فقد طالبت فيما طالبت الرئيس مشرف بالتخلي عن رئاسة اركان الجيش ونزع الحلة العسكرية اكتفاء برئاسة الدولة، وطالبت أيضا بإلغاء التعديلات الدستورية التي تمنح الرئيس صلاحيات حل البرلمان وإقالة الحكومة المنتخبة. وتبلغ أوجه التغاير الاختلاف بين الكتلتين البرلمانيتين أشدها في معارضة التحالف الاسلامي للعمليات والنشاطات العسكرية الاميركية في باكستان. ومن هنا يبدأ التحدي الصعب في وجه الحكومة الجديدة. وهذا يقودنا إلى الثمانينات حيث دارت جولات كبيرة وحاسمة من جولات «الحرب الباردة» في الجهاد الافغاني وافرازاته، وكان نصيب باكستان كبيرا على الصعيدين: الايديولوجي - السياسي والتعبوي العسكري، وفي إبان الجهاد الأفغاني، رضعت الأصولية الاسلامية رضعة ارتوت وإياها الجذور والاطراف، وتشاطرت الحركات والاحزاب الاسلامية بقدر ما تزايدت دعواتها بل تهديداتها لحكومة اسلام اباد إلى تطبيق الشريعة. إذا كيف يمكن للحكومة الجديدة التعاطي وهذه الكتلة وموروثها القديم من جهة، ومحاربة الارهاب بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة من جهة أخرى؟ سؤال يحمل في طياته جوابا، بل أكثر من جواب، إذا ما اقتفينا خطوات الرئيس مشرف وسياساته المتشددة تجاه التطرف والارهاب، فضلا عن تعديلاته الدستورية. وما أشبه الليلة بالبارحة، يقول زعيم حزب الشعب الباكستاني في المنفي رضا رباني: «الديمقراطية في باكستان يستغنى عنها وبسهولة، في الثمانينات عطل الجنرال محمد ضياء الحق الدستور وانتهك حقوق الشعب، ودارت الولايات المتحدة وحليفاتها آذانا صماء لمطالبنا في حقوق الانسان والديمقراطية». وفيما وراء الثمانينات، ومنذ استقلالها العام 1947 تخيم على باكستان اجواء حرب وحال طوارئ كرستها القطيعة والحروب مع الهند على كشمير وتقرير مصيرها، التحدي الأصعب في وجه الحكومة الجديدة ومن ورائها الرئيس مشرف. واستحوذت كشمير على سياسة باكستان الداخلية مثلما هي الخارجية، فقد أقالت حكومات وأطاحت بزعامات كثيرة، بدءا بالقائد المؤسس محمد علي جناح إلى نواز شريف مرورا بذي الفقار علي بوتو. واستمد العسكر الجانب الأكبر من مشروعيته للاطاحة بهؤلاء من «تابو» كشمير ومركزيتها. وفي ظل سباق التسلح ونفقاته التي تنوء بأعبائها الدولتان المنفصلتان في شبه القارة تبرز صعوبات التحدي امام الحكومة الجديدة في اسلام اباد وبالتأكيد يكون الاقتصاد أول الرابحين من تسوية أزمة كشمير وحلها حلا سلميا، واذا ما حلّ التعاون الاقتصادي، بين الهند وباكستان، محل المواجهة العسكرية وسباق التسلح فإنه يرتفع بمستوى المعيشة للملايين الفقيرة في جنوب آسيا. وبالطبع، وإلى جانب الاقتصاد، ما لم يتم تطبيع العلاقات الهندية - الباكستانية عبر تسوية وحل الأزمة الكشميرية تبقى الحكومة في اسلام اباد معلقة بأذيال العسكر واحكامه العرفية. وثمة تحدّ آخر يقف بوجه الحكومة الجديدة في اسلام اباد يتمثل في التركيبة القومية العرقية المختلفة التي كثيرا ما اشتكت واعترضت على هيمنة البنجاب واستئثارهم بالحكم وتجسدت هذه المعارضة في انفصال واستقلال باكستان الشرقية - بنغلاديش العام .1971 كما لا يخفى التوتر بين السنديين والبنجابيين ومواقف حزبيهما المتباعدة، حزب الشعب والرابطة الإسلامية. ولعل في تشكيلة الحكومة الجديدة ورئيسها ظفر الله جمالي البلوشستاني مرامي وأهدافا تسعى اولا إلى الموازنة في توزيع السلطات والمسئوليات بين «القوميات» الباكستانية، وتهدف ثانيا إلى كسب ود البلوش واحتواء بقايا وجيوب حركتهم الانفصالية إبان السبعينات بالاضافة إلى قطع طريق التحالف الأصولي بين بلوشستان والاقليم الشمالي الغربي على الحدود الأفغانية حيث تزداد كثافة البشتون السكانية على الجانبين. ويشار إلى ان فوز الاحزاب الاسلامية بالمرتبة الثاني في الانتخابات الاخيرة يعود إلى هاتين المحافظتين. وأخيرا، تبقى افغانستان وأزمتها القديمة - الجديدة تثير الاهتمام إلى حد القلق والمخاوف في اسلام اباد. وتمتد باكستان على اطول حدود لها مع افغانستان وبينهما قواسم مشتركة دينية وقومية وعرقية كثيرة حتى اقتنعت واشنطن وسلمت بأن الطريق إلى القضاء على «القاعدة» و»طالبان» وبالتالي استقرار افغانستان يمر عبر باكستان. ومن جهته لعب الرئيس مشرف هذه الورقة بحنكة ومهارة حتى نال اطراء الادارة الاميركية ودعمها في رسمه الخريطة السياسية الباكستانية الجديدة من خلال 29 تعديلا دستوريا جرت في غضون السنوات الثلاث الاخيرة. صحيح، ان الولايات المتحدة رفعت الحظر السياسي ثم الاقتصادي والعسكري وفق المادة 508 من قانون مخصصات العمليات الخارجية الاميركية. وصحيح ايضا ساعدت الوساطات والضغوط الاميركية على سحب الهند حشودها العسكرية من الحدود الباكستانية. وصحيح ثالثا ارتفع ميزان التعاون الاقتصادي والتجاري بين اميركا وباكستان، لكن التساؤل والتحدي المستمر هو متى تصح العلاقة بين الولايات المتحدة والباكستانيين ممثلين في حكومتهم المدنية الجديدة

العدد 86 - السبت 30 نوفمبر 2002م الموافق 25 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً