هل الوطنية نقيض الدين؟ أو بكلمة أخرى هل إيماننا بالوطنية هو كفر بديننا؟ أو العكس: هل إيمانناً بديننا يعتبر تناقضاً مع مبادئ الوطنية (أو المواطنية)؟
أعلم أن الوطن ليس وثناً يعبد من دون الله، وإن كان «البعض» يتناقل مقولات «العيد الوثني»، هكذا إطلاقاً واستحلالاً، وآخرين غيرهم يحاولون تعكير صفو وبراءة الأطفال في مشاهدتهم للألعاب النارية واللعب في الحدائق في العيد الوطني، باتخاذ يوم العيد الوطني، عادة سنوية، ويوم صدام مع السلطة، فهل هذا يدل على سلمية الحركة، وهل يقبل ذلك من استشهد في سبيل الأهداف النبيلة؟ إذا كانت مناسبة العيد الوطني مما نختلف حولها، فأي وفاق وطني هو الذي ندعو إليه في مناسبات أخرى أقل أهمية من اليوم الوطني؟ الوفاق الوطني حول القيم والمبادئ المشتركة هو شيء أساسي، ومؤشر يدل على مدى «التضامن الديناميكي في المجتمع السياسي» ويدل أيضاً على وضع داخلي قوي، وذلك ما هو مفقود في الفترة الحالية من تاريخ البحرين.
ثم ان هناك من يروج لتكريس ممارسات التمييز بين المواطنين في المجتمع (الدولة والمواطنين) بحسب العرق أو الطائفة أو القبيلة أو المنطقة أو الطبقة الاجتماعية...إلخ، وهؤلاء جميعاً يشد بعضهم إزر بعض بطرق متعاكسة/ متقابلة وجميعهم ضد الوطن والوطنية.
الوطنية ليست نقيض الدين، والإسلام لا ينفي حب المرء لوطنه أو مواطنيه، ولنا في رسول الله (ص) أسوة حسنة حين هجرته من مكة إلى المدينة ومقولته الشهيرة: «لولا ان أهلك أخرجوني ما خرجت» مع إن مكة المكرمة كانت أرضاً يعبد فيها غير الله، والأوثان منتشرة ومقدسة، ومختلف تقاليد وأعراف الجاهلية كانت قائمة وقتئذ... فلم ينتقص أو يؤثر كل ذلك في دين النبي (ص) أو أصحابه! وهذا جانب من الروح الوطنية التي يتحلى بها النبي (ص).
...وكذلك في عيادته (ص) ذاك اليهودي حين مرضه وغيرها من المواقف. فكيف بمن يدينون بالإسلام، ويدّعون وصلاً بمبادئه وتعاليم نبيه ينأون بأنفسهم بل ويولولون من زيارة مسلم أو مواطن لآخر حين أفراحه وأتراحه! ويعتبر هؤلاء إلقاء السلام على من هم يدينون بالدين بل والمذهب نفسه حراماً، فالمبتدع يترك ولا يجالس ولا يسلم عليه ولا يزوج، مع أن الابتداع أو التشبه بالكفار هنا هو: لبس السروال (أو البنطلون) أو ربطة العنق! أليس لهؤلاء في رسول الله (ص) أسوة حسنة؟
في خمسينات القرن الماضي تشكلت هيئة الاتحاد الوطني، وهي هيئة لا يستطيع كائن من كان أن يكابر أو يزايد على وطنيتها وحبها للوطن، وفي سيرة رعيل الهيئة الأول، وعلى الأخص منهم الثمانية الكبار، وفي كمائن أنفس هؤلاء وطبيعتهم المعجونة بتراب البلد أسوة حسنة.
ويستحق تاريخ وواقع تلك الهيئة والسياق العام لتلك الفترة، ورجالها المخلصين الذين عزَ زماننا أن يجود علينا بمثلهم، مزيداً من البحث والدراسة المستفيضة؛ ليس من قبل التيارات غير الإسلامية، بل والإسلامية أيضاً. وسيرة هؤلاء الرجال وتاريخ الهيئة الوطني هو ما يجب استلهامه في ظروف هي أشبه بما كان يحيط بالعمل الوطني في تلك الفترة، ويبقى تاريخ هيئة الاتحاد الوطني البارق الوضاء في سيرة الوطنية في هذا البلد... وعلنا نصطلح فالصلح خير
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 857 - الأحد 09 يناير 2005م الموافق 28 ذي القعدة 1425هـ