من يتذكر من المواطنين على وجه التحديد، متى تأسست وزارة الإسكان؟ ومن يعرف من المواطنين على وجه التقريب، عدد المشروعات الإسكانية التي نفذتها الوزارة؟ ومن يستطيع من المواطنين ولو من باب التخمين أن يقدر كم هي المبالغ التي تم ضخها في مشروعات وزارة الإسكان منذ أنشئت لغاية اليوم؟ ثم من له القدرة على معرفة عدد المواطنين الذين استفادوا من مشروعات الوزارة بصورة شرعية؟ وأيضا عدد الذين أثروا من مشروعات الإسكان بطرق ملتوية وبالتحايل على القانون واستخدام كل أساليب اللف والدوران والتحايل؟ في البلدان التي تعتمد مبدأ الشفافية في التعاملات يمكن لكثير من المواطنين، أن يقفوا على إجابات شافية لهذه الأسئلة! بل قد تكون هذه المعلومات من المسائل المتداولة والتي تكون مصدر فخر واعتزاز للوزارة والعاملين بها، لكننا هنا في البحرين كحال كثير من دول العالم الثالث، ينطبق علينا المثل القائل "إن كنت لا تدري فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم". فهذه الوزارة التي تعتبر واحدة من أقدم الوزارات الخدمية في البلاد تعج بالألغاز منذ زمان، وفي دهاليزها الكثير من الملفات الضائعة والقصص الخيالية التي تصلح لتكون سيناريوهات لمسلسلات تلفزيونية وأفلام سينمائية عجيبة!
ولأن البحرين بلد صغير يعرف أفراد مجتمعه بعضهم بعضا، فإن قصصا أغرب من الخيال تتناقلها الأجيال عن المسئول الفلاني الذي استطاع أن يحصل على قطعة أرض كبيرة في منطقة استثمارية، ثم قام بتوزيعها إلى قسائم شيدت عليها عدة عمارات تجارية وسكنية، وتسمع عن مسئول آخر أقل حظا من الأول حصل على قطعة أرض كبيرة، لكنها من سوء حظه كانت في البحر، فبقيت من دون استثمار لأعوام طويلة ينظر لها من بعيد ويتحسر! لكن القدر وقف في صفه أخيرا فقد تم دفن هذه الأرض ضمن مشروعات التوسعة العمرانية، فإذا بأرضه تصبح من أجمل الفرص لمشروعات إسكانية، فما كان منه إلا أن خططها بسرعة البرق، ثم جزأها إلى قسائم تجارية وأخرى سكنية، بعضها يطل على شارع واحد والآخر يطل على شارعين، وراح يشتري ويبيع في خلق الله ما يشاء وبالسعر الذي يريد، والناس على المصارف "هيبيس".
ويبدو أن معظم المواطنين في البحرين هم من النوع الذي يؤمن بأن الحسد يورث الندامة، وأنه يدخل صاحبه النار أيضا، لذلك تراهم يتراجعون عن الخوض في مثل هذه القضايا سريعا، ويبحثون عن مخرج للتفكير في كيفية الحصول على أقل ما يمكن من وزارة الإسكان في أسرع وقت لأن العمر يمضي سريعا! وذلك لإيمانهم بأن "القناعة كنز لا يفنى"، وهكذا تراهم يداومون في الاتصال بوزارة الإسكان عاما بعد عام، ولسان حالهم "ما أحد يأخذ إلا نصيبه في الدنيا"! وهكذا يبقون على قوائم الانتظار أعواما طوالا، حتى إذا حانت لحظة حصولهم على ما كتبه الله لهم على يد وزارة الإسكان، كان عمرهم قد دخل في العد العكسي، ولم تتح لهم الفرصة للتمتع به أو تربية أبنائهم فيه، وقد يكون البيت في كثير من الأحيان عرضة للخلاف بين الورثة بعد وقت قصير من اكتماله أو اكتمال أقساطه!
لكن المواطنين بحاجة إلى أن يغيروا من ثقافتهم الإسكانية، وخصوصا أنهم يتعاملون مع أنظمة وزارة الإسكان العتيدة التي تنص على أن أي تغيير لنوع الطلب من قبل أي مواطن قد يحرمه من فترة الانتظار الأولى ويلزمه بفترة انتظار جديدة، وهكذا فإن المواطنين سيجدون أنفسهم مطالبين بالتفكير في المنزل الذي سيتركونه لأولادهم، وهو ما قد يعني أن كل جيل مطالب بالتفكير في الجيل الذي سيأتي بعده، ربما تماشيا مع أغنية الحلم العربي التي يردد فيها الفنانون العرب "أجيال وراء أجيال حنعيش على حلمنا"، لكن أحدا منا لن يستطيع أن يعيش مع حلمه في الواقع.
تصوروا معي هذا السيناريو الغريب لحياة المواطن الذي سيدخل المدرسة بعد السادسة وسيتخرج بعد 12 سنة ويكون عمره 18 عاما، ثم سيدخل الجامعة ويتخرج منها في أفضل الأحوال وعمره 23 سنة، وسينتظر الوظيفة ما لا يقل عن سنتين، ثم يعمل خمس سنوات لكي يوفر له مبلغا يكفي لتأهله لخطبة بنت الحلال، في سن الثلاثين سيكون بمقدوره أن يتقدم لمشروعات وزارة الإسكان على وجه التقريب، بعد ذلك عليه الانتظار لمدة 10 سنوات لتلبية طلبه، يعني بمتوسط أربعين سنة بالتمام والكمال.
فإذا قدر له أن يتمكن من الزواج خلال هذه السنوات العشر وأن يرزق بالأبناء، فإن وزارة الإسكان لن تستطيع أن تلبي احتياجاته السكنية، وعلى افتراض أنها استطاعت فإن هذا المواطن سيبدأ في دفع أقساط الإسكان لمدة 25 سنة، أي أنه من المحتمل أن يمتلك منزلا بعد أن يبلغ 65 عاما، علما أن سن التقاعد في البحرين 60 سنة في الوضع العادي، يعني إذا لم يتم الاستغناء عن خدماته أو إحالته على التقاعد المبكر!
وإلى أولئك الذين سيفرحون بالحصول على سكن في سن الـ 65 أقول لهم إن متوسط الأعمار بالنسبة إلى البحرينيين يتراوح بين 72 للرجال و73 للنساء، أي أن الفترة التي قد تكتب للمواطن أن يعيشها في بيته مرتاح البال، لن تتعدى 10 سنوات بأي حال من الأحوال، علما أن كثيرا من البيوت ستكون بحاجة إلى صيانة وتوسعة في مثل هذه الفترة الزمنية، أي أن الديون ستظل تلاحق المواطن إلى القبر!
والسؤال الذي يؤرق بالي وبال كثيرين غيري بكل تأكيد: هل تستطيع وزارة الإسكان أن تكون أكثر إنصافا وعدلا مع المواطنين من خلال تقليل فترة الانتظار وتوفير فرص أخرى أمام المواطنين لتحقيق استفادة أكبر من المشروعات الإسكانية التي يحصلون عليها بعد عمر طويل؟ وهل يمكن أن نكسر حلقة الأجيال التي تتقاسم الهم ذاته عبر توفير حلول أخرى وطرق أفضل للتعامل مع مشروعات وزارة الإسكان؟
أتصور أن ذلك ليس من رابع المستحيلات كما يقولون، على رغم أنني أعتقد بأن المستحيلات في حياتنا أكثر من أربعة بكثير، لكنني أقول إن وزارة الإسكان بحاجة إلى إعادة النظر في قوانينها التي تحتاج إلى تجديد ومواكبة العصر وتطوره السريع، وهنا أطرح سؤالا كبيرا عليها: لماذا تضع الوزارة شروطا مجحفة على المواطنين الذين تكتب لهم فرصة الحصول على مشروع إسكاني سواء كان ذلك مسكنا أو قسيمة إسكانية، أو قرضا للبناء أو الشراء؟
وهنا أبين بعضا من ممنوعات وزارة الإسكان، ممنوع أن تفتح دكاكين في أي مشروع إسكاني! ممنوع أن تبني شققا سكنية تصلح للإيجار في المستقبل؟ ممنوع أن تؤجر منزلك طالما أنت مدين للإسكان، وأعتقد جازما أن هناك قوائم أخرى من الممنوعات التي لا تنتهي، والسؤال: لماذا كل هذه الممنوعات؟
إن وزارة الإسكان مسئولة عن ضمان التوزيع العادل للمشروعات الإسكانية، بالإضافة إلى وضع القوانين والأنظمة التي تمنع التجاوزات والمحسوبيات في التوزيع والتقديم والتأخير في الطلبات، لكن استفادة المواطنين من هذه المشروعات بالشكل الذي يناسبهم مسئولية المواطنين أنفسهم. نعم، الوزارة بحاجة إلى أن تقيم مستويات المواطنين فلا تقدم مشروعات الإسكان المحدودة لمن هم ليسوا كذلك، لكن من تنطبق عليه الشروط يحق له استخدام ذلك بالشكل الذي يناسبه، وهنا يقفز هذا السؤال: بعض المواطنين يلجأون إلى الاقتراض من المصارف التجارية ويفعلون بقروضهم المشروعات التي يرغبون بها! لماذا لا يحق لمن يتعامل مع بنك الإسكان ذلك؟ فبنك الإسكان مطالب بإلزام المواطنين بحدود معينة من شروط توفير السكن لأسرهم وبعد ذلك تترك لهم حرية التصرف.
افتحوا المجال للمواطنين لبناء شقق سكنية، لأن ذلك سيوفر للأجيال القادمة فرص تأسيس أسر في سن أصغر، وسيساهم في جعلهم أكثر قدرة على تحمل فترة الانتظار الطويل في الوزارة، افتحوا المجال للمواطنين للاستفادة من إمكان فتح دكاكين وتأجير الشقق السكنية التي بنوها ريثما يكبر أبناؤهم، لأن ذلك سيساعد الأسر البحرينية الفقيرة على سد رمقها، وتوفير العيش الكريم لها ولأبنائها، ولأن زيادة دخل الأسرة البحرينية ليس ممنوعا، بل إنه يمكن أن يساعد في تحسين التعليم وتوفير الصحة وتعزيز العلاقات الأسرية والترابط الاجتماعي في مجتمعنا.
هذه دعوة صادقة وصريحة إلى تغيير نمط التفكير ليس في وزارة الأشغال والإسكان فحسب، بل في جميع الوزارات والدوائر الحكومية، لأن هذه المؤسسات وضعت للتخفيف على المواطن وتوفير سبل العيش الكريم له، وليس من أجل التضييق عليه وجعله يموت حسرة! إن أية جهة حكومية تستطيع أن تقدم فرصة للمواطن ليزيد من دخله وفق القانون، من دون تجاوز أو ضرر على الآخرين، عليها ألا تتأخر عن القيام بذلك، ولنا في دول الخليج أسوة حسنة، فالفرص تفتح أمام المواطن لكي يحسن من مستواه المعيشي والاجتماعي، من دون كل هذه التعقيدات التي نعيشها في البحرين
إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"العدد 855 - الجمعة 07 يناير 2005م الموافق 26 ذي القعدة 1425هـ