العدد 854 - الخميس 06 يناير 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1425هـ

عندما تضيع الحقيقة في خضم المغالطات

علي يوسف المتروك comments [at] alwasatnews.com

رجل اعمال كويتي

حوار الطرشان بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران بشأن تسمية الخليج واحتلال جزر الإمارات العربية يأخذ أحيانا بعدا متقدما بعد كل اجتماع ثم لا يلبث أن يتلاشى في زحمة الأخبار التي تتسارع في المنطقة. وعلى إثر انتهاء قمة البحرين لفت انتباهي تصريح لعضو هيئة رئاسة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني سليمان جعفر زاده، والخبر منشور في صحيفة "القبس" بتاريخ 18 ديسمبر/ كانون الأول ،2004 وهدد هذا العضو بأن البرلمان سيثير قضية ملكية إيران للبحرين وجزء من أراضي دولة الإمارات في الأوساط الدولية في حال استمرار الإمارات بالمطالبة بالجزر الثلاث. واستطرد يقول: سنفعل قضية ملكية إيران على بعض هذه الدول لأنه لم ينقض كثير من الوقت عندما انفصلت البحرين أو قسم من الإمارات عن إيران. أما الخبر الثاني الذي لفت الانتباه فهو احتجاج الخارجية الإيرانية على مؤسسة ناشيونال جيو غرافيك لتسميتها الخليج بالخليج العربي، ما حدا بالمؤسسة إلى أن تقدم اعتذارا إلى الخارجية الإيرانية. وفي منطقة مهمة مثل الخليج لا يمكن لدول هذه المنطقة أن تقيم نظاما أمنيا إقليميا من دون إيران للحضور الإيراني المميز في المنطقة وما تملكه من امتداد طويل على ضفاف الخليج ناهيك عن العمق البشري والقوة العسكرية المتنامية لدى إيران، ولكن كل هذا لن ينفع إن لم تقم إيران بترشيد خطابها الديني والسياسي وتنسجم مع نفسها ومع الآخرين "جيرانها" بشكل حضاري يزرع الطمأنينة في نفوس شعوب وحكام هذه المنطقة، وينهي مشكلات الحدود والمطالبات التي تدعي إيران أنها تحتفظ بها في الأدراج وتهدد بتفعيلها إن رفعت الإمارات صوتها للمطالبة بالجزر الثلاث. والخطاب يحمل في طياته شيئا من التهديد والوعيد لعلمها أن دول الخليج لا تستطيع أن تجاري إيران أو تواجهها عسكريا وهي تظن بالتالي أنها تستطيع أن تستفرد بها وأن تفرض عليها ما تريد كأمر واقع، غير أن النظام الدولي الذي فرض نفسه في الحاضر تجاوز سياسة القوة والقهر التي تمثلها الأنظمة الشمولية، فاتخذت الحلول لجميع المشكلات بعدا حضاريا أما بالمفاوضات أو باللجوء للتحكيم لدى المحاكم الدولية، إذ إن العالم المتحضر يعيش الآن تحت مظلة واحدة تحكمها مصالح الشعوب التي لا تنفصل عن العمل على رفع مستواها الاقتصادي والحضاري، ولم يعد هناك تفاوت بين دولة صغيرة وكبيرة فهم بالحق سواء. إنني أذكر عن النزاعات الإقليمية أن قام نزاع بشأن أحقية الصيد في بحر الشمال بين انجلترا وايسلندا ولعل الكثيرين لم يسمعوا عن هذه الدولة لصغر حجمها وقلة عدد سكانها الذي لا يتجاوز ربع مليون نسمة، وعلى رغم التفاوت بالحجم والعدد بينهما فقد اتفقتا على رفع نزاعهما إلى محكمة العدل الدولية وسوي ذلك النزاع بتأييد حق ايسلندا بالصيد في بحر الشمال، فما كان من انجلترا إلا أن قبلت بالحكم وقامت بتنفيذه. ولماذا نذهب بعيدا، فقد احتكمت البحرين وقطر على جزيرة فشت الديبل فحكمت المحكمة بملكية البحرين للجزيرة وارتضت قطر الحكم عن طيب خاطر. كما حسم النزاع بين اليمن واريتريا بشأن جزيرة حنيش وانتهى النزاع بالحكم لليمن وقبول الطرفين بالتسوية. فلماذا لا تتبع إيران هذا المبدأ إن كانت لديها وثائق ثبوتية كما تدعي بملكية الجزر الثلاث ومملكة البحرين وجزء من الإمارات بدلا من سياسة الاستعلاء والتلويح بالقوة؟ أهي دولة ساسانية تبعث من جديد وتتستر بالدين وسيلة للتوسع على حساب الجيران... أم ماذا؟ الجواب عند الاخوة في إيران.

أما بالنسبة إلى الخليج فقد كانت التسمية كما وردت بالخرائط القديمة "خليج فارس" وهذا هو النص الصحيح لاسم الخليج باللغة الانجليزية والفارسية، ولكن إيران أضافت الألف واللام ليصبح فيما بعد الخليج الفارسي ولتعطي للخليج بعدا قوميا خارج التسمية الجغرافية الأصلية، فخليج فارس سمي بهذا الاسم لالتصاق مياه الخليج ببر فارس، واسم بر فارس يطلق على الساحل الإيراني المتصل بالخليج وهي عبارة شائعة الاستعمال عند أهل المنطقة، فماذا سيكون الحال لو أننا أطلقنا عملا بهذا المبدأ على شط العرب الشط العربي أو على بحر العرب البحر العربي؟ ألا يعتبر هذا تزويرا للتاريخ؟ وهل يعني أن العرب تملك الشط أو البحر فلم هذه الحساسية الإيرانية المفرطة من إطلاق أهل الخليج كلمة الخليج العربي على الضفة الملاصقة لبلدانهم حتى وإن كان في هذه التسمية قفز على التسمية الحقيقية للخليج أو لنقل رد فعل على ما قامت به إيران.

إن قضية البحرين قضية مهمة وتستوجب وقفة تأمل ورجوع إلى التاريخ لنرى مدى أحقية إيران في المطالبة بجزء مهم من الوطن العربي ولنتساءل متى امتلكت إيران البحرين حتى تدعي الآن المطالبة باسترجاعها؟ ففي عهد رسول الله "ص" كتب ثلاث رسائل إحداها لقيصر ملك الروم والثانية لكسرى ملك الفرس والثالثة لعظيم البحرين المنذر بن ساوى يدعوهم إلى الإسلام، ومن حسن الحظ أن رسالة النبي "ص" بالنسبة إلى عظيم البحرين لاتزال موجودة بين أيدينا، أما الرسالتان إلى كسرى وقيصر فليس لهما أي أثر، فمنذ دخلت البحرين سلما في الإسلام وهي تعتبر إحدى أقاليم الدولة الإسلامية الأولى، وقد تناوب على حكمها عدد من الصحابة ثم ما لبثت إيران بعد دخول البحرين الإسلام كإحدى ولايات الدولة الإسلامية أن أصبحت هي الأخرى إحدى الولايات المتحدة الإسلامية بعد فتحها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في معركة القادسية، وكانت تعرف آنذاك ببلاد الري. ويبدو أن عظيم البحرين لم يكن تابعا للامبراطورية الفارسية، فلو لم يكن مستقلا برأيه لما أعلن إسلامه قبل الرجوع إلى الدولة الفارسية التي أخذت موقفا مناهضا لموقفه تماما في ذلك الحين. فمتى كانت البحرين جزءا من إيران؟ ولو كانت جزءا من إيران كما يدعي البعض لما عامل النبي "ص" عظيم البحرين مثلما عامل كسرى وقيصر، فالرسائل الثلاث كتبت وأرسلت في وقت واحد. ثم هل نسيت إيران أن استفتاء تحت رعاية الأمم المتحدة وأمينها العام تم في عهد الشاه وبرقابة دولية صوت فيه شعب البحرين بالإجماع لقيام دولة مستقلة، ما أبطل حجة الشاه، فهل يعني أن إيران باحتفاظها بما تدعي من أوراق لديها ومستندات أنها لا تعترف بذلك الاستفتاء؟ وإذا كان للإيرانيين بحسب ادعائهم أوراق يحتفظون بها في الأدراج، فللعرب أوراق أيضا يحتفظون بها بشأن الأهواز وعبادان والمحمرة أو ما يطلق عليه الآن عربستان، فهذا القطاع كان إمارة عربية وحاكمها هو الشيخ خزعل الذي اختطفه رضا شاه سنة 1925 في علمية إرهابية في جنح الظلام وحبس في طهران حتى مات. أما عن معاناة العرب هناك، فهذا القطاع العربي يخضع للتعجيم المنظم ليقضى على انتمائه وعروبته، فهو يعيش الفقر بأقسى أنواعه ولا يستفيد من نفطه ومياهه. إن عرب الأهواز يتطلعون إلى أن يعاملوا كما يعامل الأكراد في شمال العراق ويطالبون بحكم ذاتي يحفظ لهم جزءا من ثرواتهم وتراثهم في ظل تنامي الديمقراطية وحرية تقرير المصير في المنطقة التي عانت الكثير من الدكتاتورية والتسلط تحت مسميات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. فهل حان الوقت لأن يعيد اخوتنا في الإسلام في إيران النظر في خطابهم الديني والسياسي، وان ينظروا لجيرانهم بشيء من التواضع؟ فالعالم لم يعد غابة يتسلط بها القوي على الضعيف والميزان الحقيقي لحسم الأمور ليس بالضرورة ميزان القوة، فأين قوة الاتحاد السوفياتي وأين الجيش الأحمر؟ وأين صدام وما جمع من أسباب القوة والحشد؟ والإسلام وشعاراته تعني الرحمة والتكاتف والتواد بين المسلمين، والحديث الشريف يقول: "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى"، فأين أنتم من كل هذا؟ فالمنبت كما يقول الحديث لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.

* كاتب كويتي

إقرأ أيضا لـ "علي يوسف المتروك"

العدد 854 - الخميس 06 يناير 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً