ليس من السهل تحديد عنوان لمقال يتحدث فيه كاتب مثلي عمن هو بمثل دولة رئيس وزراء لبنان السابق سليم الحص. السياسي الماهر والعلم البارز في عالم الفكر والثقافة والسياسة والمقاومة والعارف ببحور السياسة العربية غير المعروف مدها من جزرها، أبحر فيها نظيفا ورسى على مرافئ العمل الوطني نظيفا. حينما رأى أنه يستطيع أن يقدم لوطنه ومجتمعه من الموقع الوطني الشامل أكثر من موقعه كسياسي.
يوصف بأنه "السياسي الأكثر شفافية وصدقا والدبلوماسي الذي لم يغره المال"، ويقول: "أعتز بأنني كنت أول رئيس وزراء في تاريخ لبنان يسقط في الانتخابات وهو رئيس للوزراء، وأنا في سدة المسئولية أسقط في الانتخابات!".
ترعرع في كنف أسرة فقيرة، تيتم من ناحية الأب وعمره سبعة شهور. حرمه الفقر من مشاهدة السينما على رغم عشقه لها، وحرمه الفقر من دراسة الأدب العربي مع أنه يعشق كتب الأدب والأدباء طه حسين والعقاد والأخطل والفرزدق وجرير. يستخدم "التروماي" في غدوه ورواحه. قاده الفقر إلى دراسة الاقتصاد وقاده الاقتصاد إلى مؤسسة الحكم، والتي ظل فيها أكثر من ربع قرن. لم يغير منزله المتواضع في عائشة بكار إلى قصر من قصور لبنان. أحد السفراء العرب حينما ذهب مع ميشال جحا لزيارة دولة الرئيس في منزله قال بعدها لميشال: هل يعقل أن هذا منزل لرئيس وزراء في دولة عربية؟ كنت اتوقع أن أجده يسكن قصرا من القصور.
يفلسف فكرة نقاء جيب المسئول بعبارة تزين مكتبه وبيته وهي: "يبقى المسئول قويا إلى أن يطلب أمرا لنفسه"، يعني أن المسئول الذي يطلب أمرا لنفسه فهذا مسئول له ثمن. ما هو ثمنه؟ ما يطلبه لنفسه. فما هو ثمن المسئولين العرب اليوم؟ انظروا كشف حساباتهم عند الإدارة الأميركية!
ترأس مجلس الوزراء في حقب ثلاث "سركيس والهراوي ولحود". في العام 75 عند تشكيل الحكومة وضع بالنص - في البيان الوزاري - إلغاء الطائفية في الإدارة والقضاء والجيش، ولم يوفق لمبتغاه! قام بكتابة وثيقة، للفعاليات السياسية والاجتماعية لإنهاء النزاع في العام .79 تعرض لمحاولتي اغتيال في 84 و،89 وذلك جريا على العادة التي تمارس ضد أي رجل نظيف في السلطة في عالمنا العربي. عاش الاجتياح الصهيوني فحصار بيروت، بفصوله الكاملة. بعد اعتزاله للسياسة واجه الكثير من محاولات "التعرض لظل الحص الطويل" كما يقول سمير عطا الله، ولم يفلحوا!
قدم كتاب عصارة العمر والذي يحكي فيه تجاربه وأعماله وما له وما عليه، كشف حسابا عن مسيرته السياسية، مواقفه الوطنية والقومية لم تتغير. لم يتغير موقفه من مسرحية السلام الشاروني وهو الذي شهد مجازر شارون في بيروت. لم يتغير موقفه من الطائفية على شدة الضغوط التي مورست ضده من قبل أبناء "الطايفة".
الترحيب بشخصية عروبية مثل دولة الرئيس يفوق الكتابة عنه في زاوية، إذ يجب أن يكون الترحيب، والتواصل معه فكريا - وحسنا فعلت الوفاق بدعوته، وذلك مما يحسب لها - لما يمثل من ثقل على المستوى اللبناني والعربي والدولي، وبالتالي النهل من رحيق "عصارة عمره" وتجاربه، وما يعزز هذا التواصل علاقات البلدين: مملكة البحرين وجمهورية لبنان، إذ ان الكثير من الأسر ربطتها علاقات مصاهرة ومنها أسرة "الحص" اللبنانية وأسرة "الموسى" البحرينية العريقة، والأخيرة هي أسرة أحد الثمانية الكبار في هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات، المغفور له بإذن الله إبراهيم الموسى، فأي تواصل عروبي وأصيل بين هذين العلمين والبلدين
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 850 - الأحد 02 يناير 2005م الموافق 21 ذي القعدة 1425هـ