منذ زمن ليس ببعيد وأنا أتابع «قناة المستقلة الفضائية» عبر حواراتها المتعددة، التي تتعدد بتعدد عناوينها فتارة باسم «أريد حلا» وأخرى «نبض الشارع» أو «قضايا» أو «حوار الحضارات والثقافات» وهكذا من العناوين الكثيرة في الحوارات الأسبوعية، والتي يكثر في عناوينها الجدل واللغط فتارة في الشأن المحلي لدولة ما وأخرى في مناقشة تصريح أحد المسئولين و هلم جرّا من الموضوعات ذات الإثارة، وتبرر«القناة» تلك الإثارات بأنها أصبحت نبض الشارع العربي وصوته!
لذلك كانت «القناة» بعد نهاية كل برنامج تعلن لجمهورها الكريم أنها تستقبل تبرعاتهم المالية من أجل استمرارها في البث الفضائي، وهي - كما تقول - «لهم... منهم... وإليهم!»، لهذا كانوا لا يخجلون من كتابة رقم حسابهم البنكي في لندن على شاشة «القناة» من اجل تبرع أهل الخير لها!.
وأما في الآونة الأخيرة فقد حاولت «قناة المستقلة» الدخول بكل ثقلها إلى سوق الإعلانات التجارية عبر استقطاب المشاهدين العرب في العالم لبرامجها ، لانها تعرف ان هدف المعلِن التجاري هو كثرة وجود المشاهدين ونجاح البرنامج كما نشاهده في الفضائيات الأخرى، لهذا يصرّح مقدمها في تقديمه للبرامج الحوارية ان مناقشات الشأن الخاص والعام في «المستقلة» هي أقوى من مناقشات البرلمانات العربية!
وأما في أيام شهر رمضان المبارك التي تكثر فيها الإعلانات التجارية والمسابقات الرمضانية في الفضائيات العربية، فقناة «المستقلة» تريد أن تنافس الفضائيات الأخرى في جذب الإعلانات التجارية وألا تعتمد على التبرعات المالية من أهل الخير فقط!، أو على إعلانات من شركات تجارية سودانية ويمنية!
بل تطمح في هذا الشهر الفضيل إلى أن تدخل السوق الخليجية من خلال برنامجها الخاص بشهر رمضان وهو «الحوار الصريح بعد صلاة التراويح»، والذي خصص أكثر حلقاته عن الحوار الشيعي السني من خلال المناظرات بين الطرفين!
لذلك كانت الأنظار مشدودة خلال هذه الأيام لهذا البرنامج وذلك لحساسية الموضوع المذهبي التاريخي، فالكل يدرك وجود خلافات تاريخية بين الطائفتين ولهذا يتجنبها الكثير من العقلاء ولا يفتح مجالا لأي إثارة طائفية، ولكن «المستقلة» خرجت عن المألوف وبكل جرأة وضعت الخلاف التاريخي القديم بين الشيعة والسنة على طاولة البحث أمام الرأي العام، وجلبت بعض المتطرفين من الطائفتين لمناقشته لاثبات أحقية كل طرف على الآخر، وتعددت حلقاته، وأصبح البرنامج يشاهده الملايين من العرب وغير العرب، حتى صار حديث الشارع والمجالس واستطاع هذا البرنامج ان يصرف انتباه المشاهد العربي عن الكثير من الحوادث السياسية المهمة خصوصا ما يحدث في فلسطين او العراق، والمشكلة لا تقع هنا؟!
إنما المشكلة أن هذه القناة الفضائية أثارت النعرات الطائفية بين الشيعة والسنة بعدما كانت خامدة وساكنة كسكون الليل المظلم، وجعلت من برنامجها «الحوار الصريح بعد التراويح» في حوارها المزعوم بين السنة والشيعة كمبارة كرة القدم بين فريقين لكل فريق مشجعين من الطرفين والكل ينتظر نتيجة الفوز !! ومن ينتصر على خصمه التاريخي!.
مضافا الى ذلك؛ الهجوم الاستفزازي على المقدسات والعقائد الدينية، وبث الشبهات على عامة الناس، في وقت نحن بأمس الحاجة إلى وحدة الأمة أمام الأخطار المحدقة حولها !
المسألة الاكبر تتمثل في إهانة مشاعر عامة المسلمين من بعض المتطرفين في عدم احترام قدسية القرآن الكريم في الشهر الذي انزل فيه القران الذي يعتبر ربيع القرآن !!
و انا أقول لقناة «المستقلة» بكل صراحة إن ما قامت به لا يخدم الأمة وهو يفرقها ولا يجمعها، وان إثارتها للنعرات الطائفية بحواراتها الفوضوية في مناقشة أمور العقيدة في هذا الوقت الخطير بالذات التي تسعى فيه إسرائيل إلى طمس القضية الفلسطينية من خلال استخدام السلاح الأميركي الذي يهدد المسلمين ودولهم من دون فرق بين السنة والشيعة، وهو ما يثر عدة تساؤلات عن أهداف هذه القناة ولصالح من...؟ تطرح الموضوعات الخلافية المذهبية التي تصرف الناس عن اهتماماتهم الرئيسية، فالحوار ليس بهذه الطريقة الاستعراضية للمتطرفين؟
العدد 85 - الجمعة 29 نوفمبر 2002م الموافق 24 رمضان 1423هـ