الحديث المهم الذي أدلى به وزير الداخلية إلى "الوسط" الأسبوع الماضي جدير بالاهتمام والتحليل، وهو بحاجة مستمرة إلى متابعة وتحديد طبيعة الأدوار المستقبلية لوزارة الداخلية العتيدة. ولكن قبل ذلك لابد من القول بأن وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة يواجه حاليا مهمة شاقة للغاية ولن تظهر نتائجها إلا عبر عقود مقبلة. كما أن هذا الوزير يختلف عن بقية الوزراء، فكثيرون أنيطت بهم حقائب وزارية بعد عهد الإصلاح الذي بدأ في العام 2001 وكانت مهماتهم تنحصر في إعادة هيكلة الوزارة وتطهيرها من القوى التقليدية التي نشرت الفساد المالي والإداري. إلا أن وزير الداخلية لم تقتصر مهمته على إصلاح الوزارة وإعادة هيكلتها، وإنما تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير، فهو يواجه تحديا ضخما داخل النظام السياسي يتعلق بمهمة تغيير جزء مهم من الثقافة السياسية السائدة لدى المواطنين، وهي الثقافة المرتبطة بمجموعة القيم والمعتقدات والأفكار تجاه مختلف المؤسسات الأمنية في الدولة.
فهذه الثقافة تحمل في طياتها أيديولوجيا سلبية تجاه المؤسسات الأمنية بسبب عوامل التاريخ التي ساهمت منذ 24 سبتمبر/ أيلول 1921 في تشكيل ثقافة سياسية سلبية تجاه رجال الأمن والمؤسسات الأمنية التي يفترض أن تقوم بمهمات حفظ الأمن والاستقرار وصون الطمأنينة لدى المواطنين كافة، إلا أن ممارسات التاريخ والماضي أدت إلى خلاف ذلك. فقد ارتبطت المؤسسات الأمنية خلال الفترة من 1921 إلى 1971 بالمستعمر البريطاني الذي أسس مؤسسات تقوم على محاربة عناصر المقاومة الوطنية المناهضة لوجود ذلك الاستعمار، وما أن تم الاستقلال في 14 أغسطس/ آب 1971 وظهر قانون أمن الدولة لاحقا حتى بدأت المؤسسات الأمنية تلعب دورا آخر، وهو في الحقيقة مكمل للأدوار التي تمت خلال مرحلة الاستعمار، فبرز شكلان من أشكال المواجهة والمصادمة بين المواطنين وتلك المؤسسات، الأول ميداني ومادي، والآخر فكري ومعنوي، ما أدى في النهاية إلى بروز شكل من العداء الظاهر والعلني من المواطنين تجاه المؤسسات الأمنية والعاملين فيها. وهذه الحال هي مظهر من مظاهر الثقافة السياسية البحرينية.
ومع تكليف الشيخ راشد بمهمات هذه الوزارة تصبح أمامه مسئولية جسيمة وهي تغيير هذه الثقافة، ويبدو من أطروحاته في تصريحاته المختلفة منذ توليه الحقيبة الوزارية، وخصوصا المقابلة التي نشرت أخيرا أن هناك رغبة حقيقية في تغيير هذه المؤسسة الأمنية الضخمة كجزء مهم ضمن المشروع الإصلاحي لجلالة الملك. وبدأت الوزارة بسلسلة من التغييرات الإدارية والفكرية، الأولى بتعيين قيادات جديدة في المناصب الرئيسية بالوزارة، والأخرى بالشروع في حملة تثقيفية للقيادات والعاملين فيها تتناول حقوق الإنسان وأساليب الإدارة الجديدة. وأعتقد أن ما أنجز حتى الآن مهم للغاية وبالإمكان الاعتداد به، ولكن قضايا مهمة ليست بغائبة عن الجميع يجب الإسراع بها، وهي مشروع شرطة المجتمع الذي يفترض أن يكون بداية التغيير لرجال الشرطة والأمن العام بالمفهوم التقليدي، وينبغي توسيع صلاحيات العاملين في هذا المشروع وتفعيل دورهم المجتمعي وتوضيحه للناس منعا للالتباسات والإشكالات المستقبلية. أيضا من القضايا التي يجب النظر إليها بأهمية "بحرنة الوزارة"، فتغيير الأدوار وأساليب العمل مستقبلا مع وجود عناصر أجنبية لن يساهم أبدا في تغيير الثقافة السياسية تجاه هذه الوزارة، لأن عموم المواطنين سينظرون إلى وجود هذه العناصر امتدادا للأدوار الأمنية السابقة وسيرفضون أية محاولات لبناء الثقة مع هذه المؤسسة التاريخية. ومن القضايا الشكلية والمهمة كذلك اللباس التقليدي وألوان مركبات الوزارة المختلفة، فمن المناسب الآن إجراء تعديلات فيها لتغيير صورتها النمطية التي علقت في أذهان المواطنين.
في النهاية فإن المسئولية التي تولاها الشيخ راشد ليست بسهلة البتة، وهي ليست مسئوليته فحسب، وإنما هي مسئولية وطنية ملقاة على عاتق جميع العاملين في الوزارة وعموم المواطنين ومؤسسات الدولة المختلفة. وإذا كانت هناك رغبة جماعية في الاستمرار في عهد الإصلاح فإنه من الأهمية بمكان دعم جهود الوزير الجديد لكي نستطيع حصاد جهود اليوم في المستقبل
العدد 849 - السبت 01 يناير 2005م الموافق 20 ذي القعدة 1425هـ